الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (42) قوله تعالى : كالجبال : صفة لـ " موج " . قوله : " نوح ابنه " الجمهور على كسر تنوين " نوح " لالتقاء الساكنين . وقرأ وكيع بضمه اتباعا لحركة الإعراب . واسترذل أبو حاتم هذه القراءة وقال : " هي لغة سوء لا تعرف " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة " ابنه " بوصل هاء الكناية بواو ، وهي اللغة الفصيحة الفاشية . وقرأ ابن عباس بسكون الهاء . قال بعضهم : " هذا مخصوص بالضرورة وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      2662 - وأشرب الماء ما بي نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها

                                                                                                                                                                                                                                      وبعضهم لا يخصه بها . وقال ابن عطية : إنها لغة لأزد السراة ومنه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2663 - ... ... ... ...     ومطواي مشتاقان له أرقان



                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : " هي لغة عقيل وبني كلاب " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 329 ] وقرأ السدي : " ابناه " بألف وهاء السكت . قال ابن جني : " وهو على النداء " . وقال أبو البقاء : " ابناه : على الترثي وليس بندبة ، لأن الندبة لا تكون بالهمزة " وهو كلام مشكل في نفسه ، وأين الهمزة هنا ؟ إن عنى همزة النداء فلا نسلم أن المقدر من حروف النداء هو الهمزة ، لأن النحاة نصوا على أنه لا يضمر في حروف النداء إلا " يا " لأنها أم الباب . وقوله : " الترثي " هو قريب في المعنى من الندبة . وقد نصوا على أنه لا يجوز حذف النداء من المندوب وهذا شبيه به .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ علي عليه السلام : " ابنها " إضافة إلى امرأته كأنه اعتبر قوله " ليس من أهلك " . وقوله : " ابني " و " من أهلي " لا يدل له لاحتمال أن يكون ذلك لأجل الحنو ، وهو قول الحسن وجماعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ محمد بن علي وعروة والزبير : " ابنه " بهاء مفتوحة دون ألف ، وهي كالقراءة قبلها ، إلا أنه حذف ألف " ها " مجتزئا عنها بالفتحة ، كما تحذف الياء مجتزأ عنها بالكسرة . قال ابن عطية : " هي لغة " وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      2664 - أما تقود بها شاة فتأكلها     أو أن تبيعه في بعض الأراكيب

                                                                                                                                                                                                                                      يريد : " تبيعها " فاجتزأ بالفتحة عن الألف ، كما اجتزأ الآخر عنها في قوله : أنشده ابن الأعرابي على ذلك - [ ص: 330 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2665 - فلست براجع ما فات مني     بلهف ولا بليت ولا لواني

                                                                                                                                                                                                                                      يريد : يا لهفا ، فحذف ، وهذا يخصه بعضهم بالضرورة ، ويمنع في السعة يا غلام في يا غلاما . قلت : وسيأتي في نحو : " يا أبت " بالفتح : هل ثم ألف محذوفة أم لا ؟ وتقدم لنا خلاف في نحو : يا بن أم ويا بن عم : هل ثم ألف محذوفة مجتزأ عنها بالفتحة أم لا ؟ فهذا أيضا كذلك ، ولكن الظاهر عدم اقتياسه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد خطأ النحاس أبا حاتم في حذف هذه الألف ، وفيه نظر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وكان في معزل جملة في موضع نصب على الحال ، وصاحبها هو " ابنه " ، والحال تأتي من المنادى لأنه مفعول . والمعزل بكسر الزاي اسم مكان العزلة . وكذلك اسم الزمان أيضا ، وبالفتح هو المصدر . قال أبو البقاء : " ولم أعلم أحدا قرأ بالفتح " . قلت : لأن المصدر ليس حاويا له ولا ظرفه ، فكيف يقرأ به إلا بمجاز بعيد ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ البزي وقالون وخلاد بإظهار ياء " اركب " قبل ميم " معنا " بخلاف عنهم ، والباقون بالإدغام ، وقرأ عاصم هنا " يا بني " بفتح الياء . وأما في غير هذه السورة فإن حفصا عنه فعل ذلك ، والباقون بكسر الياء في جميع القرآن إلا ابن كثير فإنه في الأول من لقمان وهو قوله : لا تشرك بالله فإنه سكنه وصلا ووقفا ، وفي الثاني كغيره أعني أنه يكسر ياءه ، وحفص على أصله من فتحه . وفي الثالث وهو قوله : يا بني أقم الصلاة اختلف عنه ، فروى [ ص: 331 ] عنه البزي كحفص ، وروى عنه قنبل السكون كالأول . هذا ضبط القراءة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما تخريجها فمن فتح فقيل : أصلها : يا بنيا بالألف فحذفت الألف تخفيفا ، اجتزأ عنها بالفتحة ، وقد تقدم من ذلك أمثلة كثيرة . وقيل بل حذفت لالتقاء الساكنين ؛ لأنها وقع بعدها راء " اركب " وهذا تعليل فاسد جدا ، بدليل سقوطها في سورة لقمان في ثلاثة مواضع حيث لا ساكنان . وكأن هذا المعلل لم يعلم بقراءة عاصم في غير هذه السورة ، ولا بقراءة البزي للأخير في لقمان ، وقد نقل ذلك أبو البقاء ولم ينكره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما من كسر فحذفت الياء أيضا : إما تخفيفا وهو الصحيح ، وإما لالتقاء الساكنين ، وقد تقدم فساده . وأما من سكن فلما رأى من الثقل مع مطلق الحركة ، ولا شك أن السكون أخف من أخف الحركات ، ولا يقال : فلم وافق ابن كثير غير حفص في ثاني لقمان ، ووافق حفصا في الأخيرة في رواية البزي عنه ، وسكن الأول ؟ لأن ذلك جمع بين اللغات ، والمفرق آت بمحال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل هذه اللفظة بثلاث ياءات : الأولى للتصغير ، والثانية لام الكلمة ، وهل هي ياء بطريق الأصالة أو مبدلة من واو ؟ خلاف تقدم تحقيقه أول هذا الموضوع في لام " ابن " ما هي ؟ ، والثالثة ياء المتكلم مضاف إليها ، وهي التي طرأ عليها القلب ألفا ثم الحذف ، أو الحذف وهي ياء بحالها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية