الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 46 ] آ . (37) قوله تعالى : إنما النسيء : في " النسيء " قولان أحدهما : أنه مصدر على فعيل من أنسأ أي أخر ، كالنذير من أنذر والنكير من أنكر . وهذا ظاهر قول الزمخشري فإنه قال : " النسيء تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر " ، وحينئذ فالإخبار عنه بقوله : " وزيادة " واضح لا يحتاج إلى إضمار . وقال الطبري : " النسيء بالهمز معناه الزيادة " . قلت : لأنه تأخير في المدة فيلزم منه الزيادة .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أنه فعيل بمعنى مفعول ، من نسأه أي أخره ، فهو منسوء ، ثم حول مفعول إلى فعيل كما حول مفعول إلى فعيل ، وإلى ذلك نحا أبو حاتم والجوهري . وهذا القول رده الفارسي بأنه يكون المعنى : إنما المؤخر زيادة ، والمؤخر الشهر ولا يكون الشهر زيادة في الكفر . وقد أجاب بعضهم عن هذا بأنه على حذف المضاف : إما من الأول أي : إنما إنساء المنسأ زيادة في الكفر ، وإما من الثاني أي : إنما المنسأ ذو زيادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجمهور " النسيء " بهمزة بعد الياء . وقرأ ورش عن نافع " النسي " بإبدال الهمزة ياء وإدغام الياء فيها . ورويت هذه عن أبي جعفر [ ص: 47 ] والزهري وحميد ، وذلك كما خففوا " برية " و " خطية " . وقرأ السلمي وطلحة والأشهب وشبل : " النسء " بإسكان السين . وقرأ مجاهد والسلمي وطلحة أيضا : " النسوء " بزنة فعول بفتح الفاء ، وهو التأخير ، وفعول في المصادر قليل ، قد تقدم منه أليفاظ في أوائل البقرة ، وتقدم في البقرة اشتقاق هذه المادة ، وهو هنا عبارة عن تأخير بعض الشهور عن بعض قال :


                                                                                                                                                                                                                                      2483 - ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      2484 - نسؤوا الشهور بها وكانوا أهلها     من قبلكم والعز لم يتحول



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يضل به قرأ الأخوان وحفص : " يضل " مبنيا للمفعول ، والباقون مبنيا للفاعل والموصول فاعل به . وقرأ ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب وعمرو بن ميمون : " يضل " مبنيا للفاعل من أضل . وفي الفاعل وجهان أحدهما : ضمير الباري تعالى أي : يضل الله الذين كفروا . والثاني : أن الفاعل " الذين كفروا " وعلى هذا فالمفعول محذوف أي : يضل الذين كفروا أتباعهم . وقرأ أبو رجاء " يضل " بفتح الياء والضاد ، وهي من ضللت بكسر اللام أضل بفتحها ، والأصل : أضلل ، فنقلت فتحة اللام إلى الضاد لأجل [ ص: 48 ] الإدغام . وقرأ النخعي والحسن في رواية محبوب : " نضل " بضم نون العظمة و " الذين " مفعول ، وهذه تقوي أن الفاعل ضمير الله في قراءة ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : يحلونه فيه وجهان أحدهما : أن الجملة تفسيرية للضلال . والثاني : أنها حالية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ليواطئوا في هذه اللام وجهان : أنها متعلقة بيحرفونه .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا مقتضى مذهب البصريين فإنهم يعملون الثاني من المتنازعين . والثاني : أن يتعلق بيحلونه ، وهذا مقتضى مذهب الكوفيين فإنهم يعملون الأول لسبقه . وقول من قال إنها متعلقة بالفعلين معا ، فإنما يعني من حيث المعنى لا اللفظ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو جعفر " ليوطيوا " بكسر الطاء وضم الياء الصريحة . والصحيح أنه ينبغي أن يقرأ بضم الطاء وحذف الياء ؛ لأنه لما أبدل الهمزة ياء استثقل الضمة عليها فحذفها ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الياء وضمت الطاء لتجانس الواو .

                                                                                                                                                                                                                                      والمواطأة : الموافقة والاجتماع يقال : تواطؤوا على كذا أي : اجتمعوا عليه ، كأن كل واحد يطأ حيث يطأ الآخر ، ومنه قوله تعالى : إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ، وقرئ وطاء . وسيأتي إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الزهري " ليواطيوا " بتشديد الياء . هكذا ترجموا قراءته وهي مشكلة حتى قال بعضهم : " فإن لم يرد به شدة بيان الياء وتخليصها من الهمز دون التضعيف ، فلا أعرف وجهها " . وهو كما قال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 49 ] قوله : " زين " الجمهور على " زين " مبنيا للمفعول ، والفاعل المحذوف هو الشيطان . وقرأ زيد بن علي ببنائه للفاعل وهو الشيطان أيضا ، و " سوء " مفعوله .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية