الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (7) قوله تعالى : كيف يكون : في خبر " يكون " ثلاثة أوجه أظهرها : أنه " كيف " ، و " عهد " اسمها ، والخبر هنا واجب التقديم لاشتماله على ما له صدر الكلام وهو الاستفهام ، و " للمشركين " على هذا متعلقة : إما بـ " يكون " عند من يجيز في " كان " أن تعمل في الظرف وشبهه ، وإما بمحذوف لأنها صفة لعهد في الأصل ، فلما قدمت نصبت حالا ، و " عند " يجوز أن تكون متعلقة بـ " يكون أو بمحذوف على أنها صفة لـ " عهد " أو متعلقة بنفس " عهد " لأنه مصدر . الثاني : أن يكون الخبر " للمشركين " و " عند " على هذا فيها الأوجه المتقدمة . ونزيد وجها رابعا وهو أنه يجوز أن يكون ظرفا للاستقرار الذي تعلق به " للمشركين " . والثالث : أن يكون الخبر " عند الله " و " للمشركين " على هذا : إما تبيين ، وإما متعلق بـ " يكون " عند من يجيز ذلك كما تقدم ، وإما حال من " عهد " ، وإما متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر . ولا يبالى بتقديم معمول الخبر على الاسم لكونه حرف جر . و " كيف " على هذين الوجهين الأخيرين مشبهة بالظرف أو بالحال كما تقدم تحقيقه في كيف تكفرون .

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يذكروا هنا وجها رابعا وكان ينبغي أن يكون هو الأظهر - وهو أن يكون الكون تاما بمعنى : كيف يوجد عهد للمشركين عند الله ؟ ، والاستفهام [ ص: 15 ] هنا بمعنى النفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء بـ " إلا " ، ومن مجيئه بمعنى النفي أيضا قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2454 - فهذي سيوف يا صدي بن مالك كثير ولكن كيف بالسيف ضارب



                                                                                                                                                                                                                                      أي : ليس ضارب بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : إلا الذين عاهدتم فيه وجهان أحدهما : أنه استثناء منقطع أي : لكن الذين عاهدتم فإن حكمهم كيت وكيت . والثاني : أنه متصل وفيه حينئذ احتمالان ، أحدهما : أنه منصوب على أصل الاستثناء من المشركين . والثاني : أنه مجرور على البدل منهم ، لأن معنى الاستفهام المتقدم نفي ، أي : ليس يكون للمشركين عهد إلا للذين لم ينكثوا . فقياس قول أبي البقاء فيما تقدم أن يكون مرفوعا بالابتداء ، والجملة من قوله " فما استقاموا " خبره .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " فما " يجوز في " ما " أن تكون مصدرية ظرفية ، وهي في محل نصب على ذلك أي : فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم . ويجوز أن تكون شرطية ، وحينئذ ففي محلها وجهان ، أحدهما : أنها في محل نصب على الظرف الزماني ، والتقدير : أي زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم . ونظره أبو البقاء بقوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها . والثاني : أنها في محل رفع بالابتداء ، وفي الخبر الأقوال المشهورة ، و " فاستقيموا " : جواب الشرط . وهذا نحا إليه الحوفي ، ويحتاج إلى حذف عائد أي : أي زمان [ ص: 16 ] استقاموا لكم فيه ، فاستقيموا لهم . وقد جوز الشيخ جمال الدين ابن مالك في " ما " المصدرية الزمانية أن تكون شرطية جازمة ، وأنشد على ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                      2455 - فما تحي لا نسأم حياة وإن تمت     فلا خير في الدنيا ولا العيش أجمعا



                                                                                                                                                                                                                                      ولا دليل فيه لأن الظاهر الشرطية من غير تأويل بمصدرية وزمان ، قال أبو البقاء : " ولا يجوز أن تكون نافية لفساد المعنى ، إذ يصير المعنى : استقيموا لهم لأنهم لم يستقيموا لكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية