الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 38 ] آ . (30) قوله تعالى : عزير ابن الله : قرأ عاصم والكسائي بتنوين " عزير " والباقون من غير تنوين . فأما القراءة الأولى فيحتمل أن يكون اسما عربيا مبتدأ ، و " ابن " خبره ، فتنوينه على الأصل . ويحتمل أن يكون أعجميا ، ولكنه خفيف اللفظ كنوح ولوط ، فصرف لخفة لفظه ، وهذا قول أبي عبيد ، يعني أنه تصغير " عزر " فحكمه حكم مكبره . وقد رد هذا القول على أبي عبيد بأنه ليس بتصغير ، إنما هو أعجمي جاء على هيئة التصغير في لسان العرب ، فهو كسليمان جاء على مثال عثيمان وعبيدان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما القراءة الثانية فيحتمل حذف التنوين ثلاثة أوجه أحدها : أنه حذف لالتقاء الساكنين على حد قراءة : قل هو الله أحد الله الصمد وهو اسم منصرف مرفوع بالابتداء و " ابن " خبره . الثاني : أن تنوينه حذف لوقوع الابن صفة له ، فإنه مرفوع بالابتداء و " ابن " صفته ، والخبر محذوف أي : عزير ابن الله نبينا أو إمامنا أو رسولنا ، وكان قد تقدم أنه متى وقع الابن صفة بين علمين غير مفصول بينه وبين موصوفه ، حذفت ألفه خطا وتنوينه لفظا ، ولا تثبت إلا ضرورة ، وتقدم الإنشاد عليه آخر المائدة . ويجوز أن يكون " عزير " خبر مبتدأ مضمر أي : نبينا عزير و " ابن " صفة له أو بدل أو عطف بيان . الثالث : أنه إنما حذف لكونه ممنوعا من الصرف للتعريف والعجمة ، ولم يرسم في المصحف إلا ثابت الألف ، وهي تنصر من يجعله خبرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : " عزير ابن : مبتدأ وخبره ، كقوله : المسيح ابن الله . و " عزير " اسم أعجمي كعزرائيل وعيزار ، ولعجمته وتعريفه امتنع من [ ص: 39 ] صرفه ، ومن صرفه جعله عربيا ، وقول من قال : سقوط التنوين لالتقاء الساكنين كقراءة قل هو الله أحد الله ، أو لأن الابن وقع وصفا والخبر محذوف وهو " معبودنا " فتمحل عند مندوحة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : يضاهئون قرأ العامة : " يضاهئون " بضم الهاء بعدها واو ، وعاصم بهاء مكسورة بعدها همزة مضمومة ، بعدها واو . فقيل : هما بمعنى واحد وهو المشابهة وفيه لغتان : ضاهأت وضاهيت ، بالهمزة والياء ، والهمز لغة ثقيف . وقيل : الياء فرع عن الهمز كما قالوا : قرأ وقريت وتوضأت وتوضيت ، وأخطأت وأخطيت . وقيل : بل يضاهئون بالهمز مأخوذ من يضاهيون ، فلما ضمت الهاء قلبت همزة . وهذا خطأ لأن مثل هذه الياء لا تثبت في هذا الموضع حتى تقلب همزة ، بل يؤدي تصريفه إلى حذف الياء نحو " يرامون " من الرمي و " يماشون " من المشي . وزعم بعضهم أنه مأخوذ من قولهم : امرأة ضهيا بالقصر ، وهي التي لا ثدي لها ، والتي لا تحيض ، سميت بذلك لمشابهتها الرجال .

                                                                                                                                                                                                                                      يقال : امرأة ضهيا بالقصر وضهياء بالمد كحمراء ، وضهياءة بالمد وتاء التأنيث ثلاث لغات ، وشذ الجمع بين علامتي تأنيث في هذه اللفظة . حكى اللغة الثالثة الجرمي عن أبي عمرو الشيباني . قيل : وقول من زعم أن المضاهأة بالهمز مأخوذة من امرأة ضهياء في لغاتها الثلاث خطأ لاختلاف المادتين ، فإن الهمزة في امرأة ضهياء زائدة في اللغات الثلاث وهي في المضاهأة أصلية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 40 ] فإن قيل : لم لم يدع أن همزة ضهياء أصلية وياؤها زائدة ؟ ، فالجواب أن فعيلا بفتح الياء لم يثبت . فإن قيل : فلم لم يدع أن وزنها فعلل كجعفر ؟ ، فالجواب أنه قد ثبتت زيادة الهمزة في ضهياء بالمد فلتثبت في اللغة الأخرى ، وهذه قاعدة تصريفية .

                                                                                                                                                                                                                                      والكلام على حذف مضاف تقديره : يضاهي قولهم قول الذين ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، فانقلب ضمير رفع بعد أن كان ضمير جر .

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على الوقف على " أفواههم " ويبتدئون بـ " يضاهئون " وقيل : الباء تتعلق بالفعل بعدها . وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف هذا المضاف . واستضعف أبو البقاء قراءة عاصم وليس بجيد لتواترها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية