الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (25) قوله تعالى : ويوم حنين : فيه أوجه : أحدها : أنه عطف على محل قوله " في مواطن " ، عطف ظرف الزمان من غير واسطة " في " على ظرف المكان المجرور بها . ولا غرو في نسق ظرف زمان على مكان أو العكس تقول : " سرت أمامك يوم الجمعة " إلا أن الأحسن أن يترك العاطف مثله . الثاني : زعم ابن عطية أنه يجوز أن يعطف على لفظ " مواطن " بتقدير : وفي ، فحذف حرف الخفض . وهذا لا حاجة إليه . الثالث : قال الزمخشري : " فإن قلت : كيف عطف الزمان على المكان ، وهو " يوم حنين " على " مواطن " ؟ ، قلت : معناه : وموطن يوم حنين أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين " . الرابع : أن يراد بالمواطن الأوقات ، فحينئذ إنما عطف زمان على زمان . قال الزمخشري بعدما قدمته عنه : " ويجوز أن يراد بالمواطن الوقت كمقتل الحسين ، على أن الواجب أن يكون " يوم حنين " منصوبا بفعل مضمر لا بهذا الظاهر . وموجب ذلك أن قوله : " إذا أعجبتكم " بدل من " يوم حنين " ، فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصح لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ، ولم يكونوا كثيرين في جميعها ، فبقي أن يكون ناصبه فعلا خاصا به " . قلت : لا أدري ما حمله على تقدير أحد المضافين أو على تأويل [ ص: 36 ] الموطن بالوقت ليصح عطف زمان على زمان ، أو مكان على مكان ، إذ يصح عطف أحد الظرفين على الآخر ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله : " على أن الواجب أن يكون إلى آخره " كلام حسن ، وتقديره أن الفعل مقيد بظرف المكان ، فإذا جعلنا " إذ " بدلا من " يوم " كان معمولا له ؛ لأن البدل يحل محل المبدل منه ، فيلزم أنه نصرهم إذا أعجبتهم كثرتهم في مواطن كثيرة ، والفرض أنهم في بعض هذه المواطن لم يكونوا بهذه الصفة . إلا أنه قد ينقدح فإنه تعالى لم يقل : في جميع المواطن حتى يلزم ما قال ، ويمكن أن يكون أراد بالكثرة الجميع ، كما يراد بالقلة العدم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : بما رحبت " ما " مصدرية أي : رحبها وسعتها . وقرأ زيد ابن علي في الموضعين : " رحبت " بسكون العين ، وهي لغة تميم ، يسلبون عين فعل فيقولون في شرف : شرف .

                                                                                                                                                                                                                                      والرحب بالضم : السعة ، وبالفتح : الشيء الواسع . يقال : رحب المكان يرحب رحبا ورحابة وهو قاصر . فأما تعديه في قولهم : " رحبتكم الدار " فعلى التضمين لأنه بمعنى وسعتكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وحنين اسم واد ، فلذلك صرفه . وبعضهم جعله اسما للبقعة فمنعه في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2477 - نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين يوم تواكل الأبطال



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا كما قال الآخر في " حراء " اسم الجبل المعروف اعتبارا بتأنيث [ ص: 37 ] البقعة في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2478 - ألسنا أكبر الثقلين رحلا     وأعظمهم ببطن حراء نارا



                                                                                                                                                                                                                                      والمواطن جمع موطن بكسر العين ، وكذا اسم مصدره وزمانه لاعتلال فائه كالموعد قال :


                                                                                                                                                                                                                                      2479 - وكم موطن لولاي طحت كما هوى     بأجرامه من قلة النيق منهوي

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية