الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 269 ] ( ولو تهايآ في سكنى دار ) ; واحدة يسكن هذا بعضا وذا بعضا أو هذا شهرا وذا شهرا ( أو دارين ) يسكن كل دارا ( أو في خدمة عبد ) يخدم هذا يوما وذا يوما ( أو عبدين ) يخدم هذا هذا والآخر الآخر ( أو في غلة دار أو دارين ) كذلك ( صح ) التهايؤ في الوجوه الستة استحسانا اتفاقا . والأصح أن القاضي يهايئ بينهما جبرا بطلب أحدهما ، ولا تبطل بموت أحدهما ولا بموتهما ، ولو طلب أحدهما القسمة فيما يقسم بطلت ، ولو اتفقا [ ص: 270 ] على أن نفقة كل عبد على من يخدمه جاز استحسانا بخلاف الكسوة ، وما زاد في نوبة أحدهما في الدار الواحدة مشترك لا في الدارين ، وتجوز في عبد ودار على السكنى والخدمة وكذا في كل مختلفي المنفعة ملتقى ، وتمامه فيما علقته عليه .

التالي السابق


( قوله ولو تهايآ ) الهيئة الحالة الظاهرة للمتهيئ للشيء والتهايؤ تفاعل منها ، وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به والمهايأة بإبدال الهمزة ألفا لغة ، وهي في لسان الشرع قسمة المنافع ، وإنها جائزة في الأعيان المشتركة التي يملك الانتفاع بها على بقاء عينها ، وتمامه في شرح الهداية ( قوله يسكن هذا بعضا إلخ ) أشار إلى أن التهايؤ قد يكون في الزمان وقد يكون من حيث المكان ، والأول متعين في العبد الواحد ونحوه كالبيت الصغير ، ولو اختلفا في التهايؤ من حيث الزمان والمكان في محل يحتملها يأمر القاضي بأن يتفقا لأنه في المكان أعدل لانتفاع كل في زمان واحد وفي الزمان أكمل لانتفاع كل بالكل ، فلما اختلفت الجهة فلا بد من الاتفاق ، فإن اختاراه من حيث الزمان يقرع في البداية نفيا للتهمة هداية ، وقيد بالزمان لأن التسوية في المكان تمكن في الحال بأن يسكن هذا بعضا والآخر بعضا ، أما الزمان فلا تمكن إلا بمضي مدة أحدهما كفاية .

أقول : لكن قد يقع الاختلاف في تعيين المكان فينبغي أن يقرع تأمل . قال الرملي : ولو تشاحا في تعيين المدة مثلا بأن قال أحدهما سنة بسنة والآخر شهر بشهر لم أره ، والظاهر تفويضه للقاضي : ولا يقال يأمرهما بالاتفاق كالاختلاف من حيث الزمان والمكان لأن مع كل وجها فيها ، بخلافه هنا وإن قيل يقدم الأقل حيث لا ضرر بالآخر لأنه أسرع وصولا إلى الحق فله وجه تأمل ا هـ . [ تنبيه ]

في الهداية لكل واحد أن يستغل ما أصابه بالمهايأة وإن لم يشرط ذلك لحدوث المنافع على ملكه ا هـ .

قال السائحاني : أفاد في التتارخانية إن تهايؤ المستأجرين صحيح غير لازم ، وإن شرطا على المؤجر أن لأحدهما مقدم الدار وللآخر مؤخرها فسد العقد ، ولو لم تسع سكناهما وأحدهما ساكن وطلب الآخر التهايؤ زمانا يجاب كما في حيطان الخانية ا هـ ( قوله كذلك ) أي يأخذ هذا شهرا والآخر شهرا أو يأخذ هذا غلة هذه والآخر غلة الأخرى ( قوله ولا تبطل بموت أحدهما إلخ ) لأنها لو بطلت لاستأنفها الحاكم ولا فائدة . الاستئناف زيلعي ، وإذا تهايآ في مملوكين استخداما فمات أحدهما أو أبق انتقضت ، ولو استخدمه الشهر كله إلا ثلاثة أيام نقص من الشهر الآخر ثلاثة أيام ، ولو زاد ثلاثة لا يزيد الآخر ، ولو أبق الشهر كله واستخدم الآخر فيه فلا أجر ولا ضمان ، ولو عطب أحد الخادمين أو انهدم المنزل من السكنى أو احترق من نار أوقدها فلا ضمان تتارخانية ( قوله بطلت ) عبارة الهداية يقسم وتبطل المهايأة ، وقد أفاد أنه لو طلب أحدهما المهايأة والآخر القسمة يجاب الثاني كما في الهداية . وفي التتارخانية : أجر كل منهما الدار التي في يده فأراد أحدهما نقض المهايأة وقسمة رقبة الدار له ذلك إذا مضت مدة الإجارة وذكر قبله لكل نقض المهايأة ولو بلا عذر في ظاهر المذهب . قال الحلواني : هذا إذا قال أريد بيع نصيبي أو قسمته ، أما لو أراد عود المنافع مشتركة فلا . وقال شيخ الإسلام : ما في ظاهر الرواية من أن له نقضها ولو بلا عذر إذا حصلت بتراضيهما ، فلو بالفضاء فلا ما لم يصطلحا لأنه في الأول يحتاج إلى ما هو أعدل وهو القسمة بالقضاء ( قوله ولو اتفقا إلخ ) وكذا لو سكتا فطعام كل على مخدومه استحسانا ، وفي القياس عليهما [ ص: 270 ] وقوله بخلاف الكسوة فيه تفصيل ، إن لم يبينا مقدارا معلوما لا يجوز ، وإن بينا يجوز استحسانا ; أما الطعام فجائز اشتراطه على من يخدم ، وإن لم يبين مقداره استحسانا أفاده ط عن الهندية ( قوله وما زاد إلخ ) أي من الغلة وهو مرتبط بقول المصنف أو في غلة دار أو دارين ( قوله مشترك ) لتحقيق التعديل ، بخلاف ما إذا كان التهايؤ على المنافع فاستغل أحدهما في نوبته زيادة لأن التعديل فيما وقع عليه التهايؤ حاصل وهو المنافع فلا يضره زيادة الاستغلال هداية .

أقول : ظهر من هذا أن زيادة الغلة في نوبة أحدهما لا تنافي صحة المهايأة والجبر عليها ، ويتأمل هذا مع ما في فتاوى قارئ الهداية أن السفينة لا يجبر حملا ولا استغلالا من حيث الزمان بأن يستغلها هذا شهرا والآخر شهرا بل يؤجرانها والأجرة لهما ا هـ وعلله بعضهم بأنه قد تكون غلة شهر أزيد من غلة آخر فلا يوجد التساوي ا هـ ولعل المراد لا يجبر على وجه يختص كل منهما بالزائد من الغلة وإلا فهو مشكل فليتأمل ( قوله لا في الدارين ) لأن فيهما معنى التمييز والإفراز راجح لاتحاد زمان الاستيفاء ، وفي الدار الواحدة يتعاقب الوصول فاعتبر قرضا وجعل كل منهما في نوبته كالوكيل عن صاحبه هداية ( قوله على السكنى والخدمة ) بأن يسكن أحدهما الدار سنة ويستخدم الآخر العبد سنة ، وعلى الغلة باطلة عنده خلافا لهما ذخيرة : قال في الدر المنتقى : الجواز في المتحد ، ففي المختلف أولى ( قوله وكذا في كل مختلفي المنفعة ) قال في الدر المنتقى : كسكنى الدور وزرع الأرضين وكحمام ودار كما في الاختيار ( قوله وتمامه إلخ ) هو ما ذكرناه




الخدمات العلمية