الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أو أرسل مجوسي كلبا فزجره مسلم فانزجر أو قتله معراض بعرضه ) وهو سهم لا ريش له ، سمي به لإصابته بعرضه ; ولو لرأسه حدة فأصاب بحده حل ( أو بندقة ثقيلة ذات حدة ) لقتلها بالثقل لا بالحد ، ولو كانت خفيفة بها حدة حل ; لقتلها بالجرح ، ولو لم [ ص: 472 ] يجرحه لا يؤكل مطلقا . وشرط في الجرح الإدماء ، وقيل لا . ملتقى ، وتمامه فيما علقته عليه ( أو رمى صيدا فوقع في ماء ) لاحتمال قتله بالماء فتحرم ، ولو الطير مائيا فوقع فيه ، فإن انغمس جرحه فيه حرم وإلا حل ملتقى ( أو وقع على سطح أو جبل فتردى منه إلى الأرض حرم ) في المسائل كلها ، لأن الاحتراز عن مثل هذا ممكن ( فإن وقع على الأرض ابتداء ) إذ الاحتراز عنه غير ممكن فيحل

التالي السابق


( قوله وأرسل إلخ ) هذا وما بعده معطوف على قوله تركها والأصل أن الفعل يرفع بالأقوى والمساوي دون الأدنى ; فإذا أرسل المسلم كلبه فزجره المجوسي حل لعدم اعتبار الزجر عند الإرسال لكون الزجر دونه لبنائه عليه وبالعكس حرم ، وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي ، وإن انفلت ولم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر حل لأنه مثل الانفلات ، والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه وبالانزجار إظهار زيادة الطلب وتمامه في الهداية . قال القهستاني : وهذا إذا زجره المجوسي في ذهابه ، فلو وقف ثم زجره لم يؤكل كما في الذخيرة ( قوله وهو سهم إلخ ) في القاموس : معراض كمحراب سهم بلا ريش ، دقيق الطرفين ، غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده ( قوله ولو لرأسه حدة ) محترز قول المصنف بعرضه ( قوله فأصاب بحده ) أي وجرح ( قوله أو بندقة ) بضم الباء والدال : طينة مدورة يرمى بها ( قوله ولو كانت خفيفة ) يشير إلى أن الثقيلة لا تحل وإن جرحت . قال قاضي خان : لا يحل صيد البندقة والحجر والمعراض والعصا وما أشبه ذلك وإن جرح ; لأنه لا يخرق إلا أن يكون شيء من ذلك قد حدده وطوله كالسهم وأمكن أن يرمي به ; فإن كان كذلك وخرقه بحده حل أكله ، فأما الجرح الذي يدق في الباطن ولا يخرق في الظاهر لا يحل لأنه لا يحصل به إنهار الدم ; ومثقل الحديد وغير الحديد سواء ، إن خزق حل وإلا فلا ا هـ .

والخزق بالخاء والزاي المعجمتين : النفاذ . قال في المغرب : والسين لغة والراء خطأ : وفي المعراج عن المبسوط : بالزاي يستعمل في الحيوان ; وبالراء في الثوب . وفي التبيين : والأصل أن الموت إذا حصل بالجرح بيقين حل ; وإن بالثقل أوشك فيه فلا يحل حتما أو احتياطا ا هـ . ولا يخفى أن الجرح بالرصاص إنما هو بالإحراق [ ص: 472 ] والثقل بواسطة اندفاعه العنيف إذا ليس له حد فلا يحل . وبه أفتى ابن نجيم ( قوله مطلقا ) أي ثقيلة أو خفيفة ( قوله وشرط في الجرح الإدماء ) قال الزيلعي : وإن كان غير مدم اختلفوا فيه قيل لا يحل لانعدام معنى الذكاة ; وهو إخراج الدم النجس ; وشرطه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " { أنهر الدم بما شئت } " رواه أحمد وأبو داود وغيرهما .

وقيل يحل لإتيان ما في وسعه وهو الجرح لأن الدم قد ينجس لغلظه أو لضيق المنفذ . وقيل لو الجراحة كبيرة حل بدونه ولو صغيرة فلا . وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه ; فإن أدماه حل وإلا فلا وهذا يؤيد الأول ا هـ ملخصا ومثله في الهداية . قال في المنتقى قلت : وفيه كلام ; لما في البرجندي عن الخلاصة أن هذا في غير موضع اللحم وظاهر ما مر عن القهستاني عن المحيط أن المعتمد أن الإدماء ليس بشرط فليتأمل ا هـ ملخصا .

قلت : ظاهر الهداية والزيلعي والملتقط اعتماد اشتراطه مع أن الحديث يؤيده ، وقد يرجح عدم الاشتراط بما في متن المواهب ، وقدمه المصنف في الذبائح من أنه تحل ذبيحة علمت حياتها وإن لم تتحرك ولم يخرج منها دم وإن لم تعلم فلا بد من أحدهما تأمل ( قوله وتمامه إلخ ) هو ما قدمناه ( قوله أو رمى صيدا إلخ ) هذا فيما إذا كان فيه حياة مستقرة يحرم بالاتفاق لأن موته مضاف إلى غير الرمي ، وإن كانت حياته دون ذلك فهو على الاختلاف الذي مر ذكره في إرسال الكلب ا هـ زيلعي ونحوه في ط عن الهندية ( قوله فوقع فيه ) الظاهر أنه قيد اتفاقي ، فمثله إذا رماه فيه حرم لاحتمال موته بالماء ط عن الهندية ( قوله وإلا حل ) لأنه لم يحتمل موته بسبب الماء ( قوله ملتقى ) ومثله في الهداية . وذكر في الخانية إن وقع في ماء فمات لا يؤكل لعل أن وقوعه في الماء قتله ، ويستوي في ذلك طير الماء لأن طير الماء إنما يعيش في الماء غير مجروح ا هـ ونقله في الذخيرة عن السرخسي . ثم قال فليتأمل عند الفتوى وتمامه في الشرنبلالية ( قوله فتردى منه ) قيد به لأنه لو استقر عليه ولم يترد يحل بلا خلاف . وهذا أيضا إذا تردى ولم يقع الجرح مهلكا في الحال ، إذ لو بقي فيه من الحياة بقدر ما في المذبوح ثم تردى يحل أيضا معراج ( قوله فإن وقع على الأرض ابتداء ) أي ولم يكن على الأرض ما يقتله كحد الرمح والقصبة المنصوبة عناية ، وتمامه في الشرنبلالية ( قوله إذ الاحتراز ) علة مقدمة على المعلول ، وهو قوله الآتي أكل وهو كثير في كلامهم . قال تعالى - { مما خطيئاتهم أغرقوا } - وكذا يقال فيما بعده فافهم




الخدمات العلمية