الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 538 ] ( ولأبي المعتوه القود ) تشفيا للصدر ( و ) إذا ملكه ملك ( الصلح ) بالأولى ( لا العفو ) مجانا ( بقطع يده ) أي في يد المعتوه ( وقتل قريبه ) ; لأنه إبطال حقه ولا يملكه ( وتقيد صلحه بقدر الدية أو أكثر منه ، وإن وقع بأقل منه لم يصح ) الصلح ( وتجب الدية كاملة ) ; لأنه أنظر للمعتوه ( والقاضي كالأب ) في جميع ما ذكرنا في الأصح كمن قتل ولا ولي له للحاكم قتله والصلح لا العفو ; لأنه ضرر للعامة ( والوصي ) كالأخ [ ص: 539 ] ( يصالح ) عن القتل ( فقط ) بقدر الدية ، وله القود في الأطراف استحسانا ; لأنه يسلك بها مسلك الأموال ( والصبي كالمعتوه ) فيما ذكر

[ ص: 538 ]

التالي السابق


[ ص: 538 ] ( قوله ولأبي المعتوه ) هو الناقص العقل من غير جنون منح ( قوله ولأبي المعتوه القود ) ; لأنه من الولاية على النفس ; لأنه شرع للتشفي فيليه الأب كالإنكاح ولكن كل من ملك الإنكاح لا يملك القود فإن الأخ يملك الإنكاح ولا يملك القود ; لأنه شرع لتشفي الصدر ، وللأب شفقة كاملة يعد ضرر الولد ضرر نفسه فلذا جعل التشفي للأب كالحاصل للابن بخلاف الأخ كذا في شروح الهداية .

واعترضهم الأتقاني بأن الأخ يملكه أيضا إذا لم يكن ثمة أقرب منه ، فإن كان ثمة أقرب منه لم يملك الإنكاح أيضا ; لأن من يستحق الدم هو الذي يستحق مال المقتول على فرائض الله تعالى الذكر والأنثى في ذلك سواء حتى الزوج والزوجة وبه صرح الكرخي ا هـ . وفيه نظر ; لأنه إذا قتل ابن المعتوه مثلا كان هو المستحق لدمه ; لأنه المستحق لماله . وإذا كان للمعتوه أخ أو عم ولا أب له كيف يقال أن الأخ أو العم يستحق دم ابن المعتوه في حياة المعتوه مع أنه لا ولاية له على المعتوه أصلا : على أن وصي المعتوه الذي له الولاية عليه ليس له القود فكيف الأخ الذي لا ولاية له ، نعم لو كان المقتول هو المعتوه نفسه صح ما قاله وكأنه اشتبه عليه الحال ولهذا قال في السعدية إن الكلام فيما إذا قتل ولي المعتوه كابنه وأبو المعتوه حي لا فيما إذا قتل المعتوه ا هـ ( قوله ملك الصلح بالأولى ) ; لأنه أنظر في حق المعتوه هداية ( قوله بقطع يده وقتل وليه ) تنازعه كل من القود والصلح والعفو ( قوله وقتل وليه ) أي ولي المعتوه كابنه وأمه منح . وفي بعض النسخ : وقتل قريبه وهو أظهر ، وبه فسر الولي في النهاية . ثم قال يعني إذا كان للمعتوه ابن فقتل ابنه فلأبي المعتوه وهو جد المقتول ولاية استيفاء القصاص وولاية الصلح ا هـ ( قوله ; لأنه إبطال حقه ) علة لقوله لا العفو مجانا ( قوله وتقيد صلحه ) أي صلح الأب ( قوله وإن وقع بأقل منه لم يصح الصلح ) اعترضه الأتقاني بأن محمدا لم يقيده بقدر الدية بل أطلق . وفي مختصر الكرخي : وإذا وجب لرجل على رجل قصاص في نفس أو فيما دونها فصالحه على مال جاز قليلا كان أو كثيرا . ونقل الشلبي عن قارئ الهداية أن هذا الاعتراض وهم . قال أبو السعود : كيف يكون وهما مع ما صرح به الكرخي ا هـ .

أقول : عبر في النهاية وغيرها من شروح الهداية بدل قوله لم يصح الصلح بقوله لم يجز الحط ، وإن قل يجب كمال الدية ا هـ . فأفاد أن الصلح صحيح دون الحط ولذا وجب كمال الدية وإلا كان الواجب القود ، وبه يحصل التوفيق بين كلامهم ، فما صرح به الكرخي وأفاده كلام الإمام محمد من صحة الصلح المراد به صحته بإلزام تمام الدية ، وهو مراد من قال لم يجز الحط ، وقول الشارح هنا تبعا للمنح لم يصح الصلح مراده لم يلزم بذلك القدر الناقص ، ولو عبر بما قاله شراح الهداية لكان أنسب ، وبه ظهر أن اعتراض الإمام الأتقاني في غير محله ، فاغتنم هذا التحرير ( قوله ; لأنه أنظر للمعتوه ) الواقع في كلامهم ذكر هذا التعليل عند قوله ملك الصلح كما قدمناه ، والظاهر التعليل هنا بأن فيه إبطال حقه نظير ما قبله ( قوله والصلح ) ينبغي على قياس ما تقدم في الأب أن يتقيد صلحه بقدر الدية أو أكثر ط : أي فلا يجوز الحط بالأولى ( قوله والوصي كالأخ يصالح ) الوصي مبتدأ وجملة يصالح خبر وكالأخ حال والكاف فيه للتنظير ، والصواب إسقاطه ، لكن قال الرحمتي أي في كونه لا يملك القود لا في أن [ ص: 539 ] الأخ يصالح ; لأنه لا ولاية له على التصرف في مال أخيه ا هـ وهو بعيد .

( قوله يصالح عن القتل فقط ) أي ليس له العفو لما مر ، ولا القود ; لأنه ليس له ولاية على نفسه ، وهذا من قبيله ابن كمال وكان الأولى إسقاط قوله عن القتل فإن له الصلح عن الطرف أيضا ، نعم في صلحه عن القتل اختلاف الرواية . والحاصل كما في غاية البيان عن البزدوي أن الروايات اتفقت في أن الأب له استيفاء القصاص في النفس وما دونها وأن له الصلح فيهما جميعا لا العفو ، وفي أن الوصي لا يملك استيفاء النفس ويملك ما دونها ويملك الصلح فيما دونها ولا يملك العفو . واختلفت الروايات في صلح الوصي في النفس على مال . ففي الجامع الصغير هنا يصح وفي كتاب الصلح لا يصح ا هـ ملخصا ، وذكر الرملي ترجيح الرواية الأولى ( قوله استحسانا ) وفي القياس لا يملكه ; لأن المقصود متحد وهو التشفي هداية ( قوله لأنه يسلك بها مسلك الأموال ) ولهذا جوز أبو حنيفة القضاء بالنكول في الطرف أتقاني ( قوله والصبي كالمعتوه ) أي إذا قتل قريب الصبي فلأبيه ووصيه ما يكون لأبي المعتوه ووصيه فلأبيه القود والصلح لا العفو وللوصي الصلح فقط ، وليس للأخ ونحوه شيء من ذلك إذ لا ولاية له عليه كما قررناه في المعتوه ، وفي الهندية عن المحيط : أجمعوا على أن القصاص إذا كان كله للصغير ليس للأخ الكبير ولاية الاستيفاء ، ويأتي تمامه قريبا .

[ تتمة ] أفتى الحانوتي بصحة صلح وصي الصغير على أقل من قدر الدية إذا كان القاتل منكرا ولم يقدر الوصي على إثبات القتل قياسا على المال لما في العمادية من أن الوصي إذا صالح عن حق الميت أو عن حق الصغير على رجل ، فإن كان مقرا بالمال أو عليه بينة أو قضي عليه به لا يجوز الصلح على أقل من الحق ، وإن لم يكن كذلك يجوز ا هـ .




الخدمات العلمية