الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم شرع في العصبة مع غيره فقال ( ومع غيره الأخوات مع البنات ) أو بنات الابن لقول الفرضيين اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة والمراد من الجمعين هنا الجنس ( وعصبة ولد الزنا و ) ولد ( الملاعنة ) ( مولى الأم ) المراد بالمولى ما يعم المعتق والعصبة ليعم ما لو كانت الأم حرة الأصل كما بسطه العلامة قاسم [ ص: 777 ] لأنه لا أبا لهما ويفترقان في مسألة واحدة : وهي أن ولد الزنا يرث من توأمه ميراث أخ لأم وولد الملاعنة يرث من توأمه ميراث أخ لأبوين

التالي السابق


( قوله : الأخوات مع البنات ) أي الأخوات لأبوين أو لأب ، أما الأخت لأم فلا يعصبها أخوها ، وهو ذكر فعدم كونها عصبة مع الغير أولى ( قوله : لقول الفرضيين إلخ ) جعله في السراجية وغيرها حديثا قال في سكب الأنهر : ولم أقف على من خرجه ، لكن أصله ثابت بخبر ابن مسعود رضي الله عنه وهو ما رواه البخاري وغيره في بنت وبنت ابن وأخت للبنت النصف ، ولبنت الابن السدس ، وما بقي فللأخت وجعله ابن الهائم في فصوله من قول الفرضيين وتبعه شراحها كالقاضي زكريا وسبط المارديني وغيرهما ا هـ . [ تنبيه ]

الفرق بين هاتين العصبتين أن الغير في العصبة بغيره ، يكون عصبة بنفسه فتتعدى بسببه العصوبة إلى الأنثى وفي العصبة مع غيره ، لا تكون عصبة أصلا ، بل تكون عصوبة تلك العصبة مجامعة لذلك الغير سيد ، وفيه إشارة إلى وجه اختصاص الأول بالباء والثاني بمع . قال في سكب الأنهر : الباء للإلصاق والإلصاق بين الملصق والملصق به لا يتحقق إلا عند مشاركهما في حكم الملصق به ، فيكونان مشاركين في حكم العصوبة ، بخلاف كلمة مع فإنها للقران والقران يتحقق بين الشخصين بغير المشاركة في الحكم كقوله تعالى { - وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا - } أي وزيره حيث كان مقارنا به في النبوة وكلفظ القدوري ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام : أي فاتته الصلاة المقارنة بصلاة الإمام لا أن تفوتهما معا فتكون هي عصبة دون ذلك الغير ، وقال بديع الدين في شرح السراجية : الفرق أن مع قد تستعار للشرط ، والباء للسبب ا هـ .

( قوله : كما بسطه العلامة قاسم ) أي في تصحيح القدوري نقلا عن الجواهر ، حيث قال إن كانت الملاعنة حرة الأصل فالميراث لمواليهما وهم إخوتهما وسائر عصبة أمهما ، وإن كانت معتقة فالميراث لمعتقها ونحوه ابن المعتق وأخوه وأبوه فقوله : لمواليهما يتناول المعتق وغيره وهو عصبة أمهما ا هـ ونحوه في الجوهرة أقول : وهذا مخالف لما ذكره شراح الكنز وغيرهم قال الزيلعي ولا يتصور أن يرث هو أو يورث بالعصوبة إلا بالولاء أو الولاد فيرثه من أعتقه أو أعتق أمه أو من ولده بالعصوبة وكذا هو يرث معتقه أو معتق معتقه أو ولده بذلك ا هـ .

فهو صريح في أنه إذا كان هو أو أمه حر الأصل فلا يرث أو يورث بالعصوبة إلا إذا كان له ولد أي ابن أو ابن ابن ، وقال في معراج الدراية : ثم لا قرابة له من قبل أبيه ، ولو قرابة من جهة أمه ، فلا تكون عصبة أمه عصبته ، ولا أمه عصبة له عند الجمهور وعن ابن مسعود أن عصبة أمه عصبته ، وعنه في رواية أخرى : أن أمه عصبته لما روى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { تحرز المرأة [ ص: 777 ] ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه } وقلنا الميراث إنما يثبت بالنص ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث ولا في توريث أخ من أم أكثر من السدس ، ولا في توريث أبي الأم ونحوه من عصبة الأم ، ولأن العصوبة أقوى أسباب الإرث والإدلاء بالأم أضعف ، فلا يجوز أن يستحق به أقوى أسباب الإرث وفي الحديث بيان أنها تحرز والإحراز لا يدل على العصوبة ، فإنه يجوز أن تحرز فرضا وردا لا تعصيبا . وأما حديث { عصبته قوم أمه } فمعناه في الاستحقاق بمعنى العصوبة : وهي الرحم لا في إثبات حقيقة العصوبة ا هـ ملخصا . وقال في المجتبى شرح القدوري قوله : وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما .

معناه والله أعلم : أن الأم ليست بعصبة له ولا عصبة الأم كما ذهب إليه ابن مسعود رضي الله عنه ، إنما عصبته مولى الأم إذا كان لها مولى وما ذهب إليه أصحابنا مذهب علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما ووجهه أن الأم لما لم تكن عصبة في حق غير ولد الزانية والملاعنة ، فكذا في حقه كذوي الأرحام ا هـ ( قوله : لأنه لا أبا لهما ) تعليل للمتن وزاد في الاختيار ما نصه والنبي صلى الله عليه وسلم ألحق ولد الملاعنة بأمه فصار كشخص لا قرابة له من جهة الأب ، فوجب أن يرثه قرابة أمه ويرثهم ، فلو ترك بنتا وأما والملاعن ، فللبنت النصف وللأم السدس والباقي يرد عليهما كأن لم يكن له أب وهكذا لو كان معهما زوج أو زوجة فإنه يأخذ فرضه والباقي بينهما فرضا وردا ، ولو ترك أمه وأخاه لأمه وابن الملاعن فلأمه الثلث ولأخيه لأمه السدس والباقي مردود عليهما ، ولا شيء لابن الملاعن لأنه لا أخا له من جهة الأب وإذا مات ولد ابن الملاعنة ورثه قوم أبيه ، وهم الإخوة ولا يرثه قوم جده أعني الأعمام وأولادهم وبهذا يعرف بقية مسائله ا هـ ومثله في المنح أقول : وهذا مؤيد لما قدمناه حيث جعل لأمه الثلث ، ولأخيه لأمه السدس مع أن أخاه عصبة الأم ، فلو كان عصبة أمه الحرة عصبة له لأخذ الباقي بعد فرض الأم .

( قوله : ويفترقان إلخ ) كذا قاله في الاختيار وتبعه في المنح وسكب الأنهر وغيرهما . أقول : وهو خلاف ما جزم به الشارح في آخر باب اللعان حيث ذكر أن ولد الملاعنة يرث من توأمه ميراث أخ لأم أيضا ، ومثله في البحر عن شهادات الجامع ، وقال في معراج الدراية : ولد الملاعنة إذا كان توأما فعندنا وعند الشافعي وأحمد ، والجمهور هما كالأخوين لأم وقال مالك : كالأخوين لأبوين ثم ذكر الدليل والتفاريع فراجعه وهذا صريح في أن ما ذكره الشارح هنا مذهب مالك تأمل




الخدمات العلمية