الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن قطع ) أي عمدا أو خطأ بدليل ما يأتي ، وبه صرح في البرهان كما في الشرنبلالية ، لكن في القهستاني عن شرح الطحاوي أن الدية على العاقلة في الخطإ ، ومن ظن أنها على القاطع في الخطأ فقد أخطأ وكذا لو شج أو جرح ( فعفا عن قطعه ) أو شجته أو جراحته ( فمات منه [ ص: 563 ] ضمن قاطعه الدية ) في ماله خلافا لهما . قلنا إنه عفا عن القطع وهو غير القتل . ( ولو عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه فهو عفو عن النفس ) فلا يضمن شيئا ، وحينئذ ( فالخطأ يعتبر من ثلث ماله ) فإن خرج من الثلث فيها وإلا فعلى العاقلة ثلثا الدية كما في شرح الطحاوي ، فمن ظن أنها على القاطع فقد أخطأ قطعا ، ومفاده أن عفو الصحيح لا يعتبر من الثلث ذكره القهستاني ( والعمد من كله ) لتعلق حق الورثة بالدية لا بالقود لأنه ليس بمال ( والشجة مثله ) أي مثل القطع حكما وخلافا .

التالي السابق


( قوله ومن قطع إلخ ) بالبناء للمجهول ، وحاصله أن العفو إما عن عمد أو خطإ ، وعلى كل فإما عن القطع وحده أو عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه فإن كانت الجناية عمدا وعفا عن القطع لا يكون عفوا عن السراية خلافا لهما ، وإن عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه يبرأ عن القطع والسراية ، وإذا كانت خطأ فعفا عن القطع ثم سرى فعلى الخلاف ، ولو عفا عن القطع وما يحدث منه أو عن الجناية صح عن الكل ، والعمد من جميع المال ، والخطأ من الثلث ( قوله بدليل ما يأتي ) حيث فصل في المسألة الآتية بين العمد والخطإ وأطلق هنا ( قوله لكن في القهستاني إلخ ) استدراك على الإطلاق فإنه يفيد اشتراك العمد والخطأ في جميع أحكام القطع مع أنه سيأتي أن الدية تجب في مال القاطع فيتعين كون المراد العمد فقط ; لأن الصواب أن الدية في الخطإ على العاقلة .

وأجاب في الكفاية بأن قوله في ماله بيان لأحد النوعين أي عليه الدية في ماله إن كان عمدا ا هـ لكن المصنف لم يقيد بقوله في ماله فلا يرد عليه ذلك ( قوله وكذا لو شج ) مستغنى عنه بقول المصنف الآتي والشجة مثله ط ( قوله فعفا عن قطع إلخ ) أي ولم يقل وما يحدث منه [ ص: 563 ] ولم يقل عن الجناية ( قوله ضمن قاطعه ) وكذا شاجه أو جارحه ( قوله في ماله ) ; لأن العاقلة لا تتحمل العمد ( قوله خلافا لهما ) حيث قالا هو عفو عن النفس أيضا ; لأنه يراد به العفو عن موجبه ( قوله وهو غير القتل ) وكان ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس ; لأنه هو الموجب للعمد إلا أن في الاستحسان تجب الدية ; لأن صورة العفو أورثت شبهة ، وهي دارئة للقود هداية ( قوله ولو عفا عن الجناية ) أي الواقعة عمدا أو خطأ سواء ذكر معها ما يحدث منها أو لم يذكر قهستاني ( قوله فهو عفو عن النفس ) ; لأن الجناية تشمل الساري منها وغيره ، وعفوه عن القطع وما يحدث منه صريح في ذلك بخلاف القطع وحده فإنه غير القتل كما قدمه فلا يشمل الساري ( قوله فلا يضمن شيئا ) أي من الدية ، وهذا ظاهر في العمد ، وكذا في الخطأ لو خرج من الثلث ، وإلا فعلى عاقلته بقدره كما أفاده في الشرنبلالية .

( قوله فالخطأ إلخ ) أي العفو في الخطأ يعتبر من الثلث . قال في المحيط : ويكون هذا وصية للعاقلة سواء كان القاتل واحدا منهم أو لا ; لأن الوصية للقاتل إذا لم تصح للقاتل تصح للعاقلة كمن أوصى لحي وميت فالوصية كلها للحي ا هـ ، وبه ظهر فساد ما اعترض أن الوصية للقاتل لا تصح وبأنه كواحد من العاقلة فكيف جازت بجميع الثلث فتأمل طوري ( قوله من ثلث ماله ) ; لأن الخطأ موجبه المال ويتعلق به حق الورثة فيعتبر من الثلث هداية ( قوله وإلا فعلى العاقلة ثلثا الدية ) أي إن لم يكن للعافي مال غيرها ، فإن كان فبحسابه ، فلو قال وإلا فعلى العاقلة بقدره لكان أخصر وأظهر ( قوله ومفاده ) أي مفاد اعتبار العفو من الثلث أن العافي لو كان صحيحا أي في حكم الصحيح ، بأن لم يصر صاحب فراش ، وفسره في التتارخانية بأن كان يخرج ويجيء ويذهب بعد الجناية لا يعتبر من الثلث بل يعتبر من جميع المال ، وهذا قول بعض المشايخ . قال في التتارخانية : وذكر في المنتقى أنه من الثلث ( قوله والعمد من كله ) اعترض بأن الموجب هنا هو القود وهو ليس بمال فلا وجه للقول بأنه من كل المال ا هـ .

وقد يجاب بأن القود هنا سقط بالعفو ، لكن لما كان للعافي أن يصالح على الدية كان مظنة أن يتوهم أن في عفوه إبطالا لحق الورثة فيها فقال : إنه من جميع المال ; لأن الموجب الأصلي هو القود ، وحقهم إنما يتعلق بالمال تأمل ( قوله والشجة مثله ) وكذا الجراحة كما قدمه فالعفو عن الشجة أو الجراحة كالعفو عن القطع في ضمان الدية بالسراية خلافا لهما ، والعفو عنهما مع ما يحدث منهما كالعفو عن القطع وما يحدث منه




الخدمات العلمية