الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن قال سدس مالي له ثم قال ثلثه له وأجازوا له ثلث ) أي حقه الثلث فقط ، [ ص: 671 ] وإن أجازت الورثة لدخول السدس في الثلث مقدما كان أو مؤخرا أخذا بالمتيقن ، وبهذا اندفع سؤال صدر الشريعة وإشكال ابن الكمال ( وفي سدس مالي مكررا له سدس ) لأن المعرفة قد أعيدت معرفة ( وبثلث دراهمه وغنمه أو ثيابه ) متفاوتة فلو متحدة فكالدراهم ( أو عبيده [ ص: 672 ] إن هلك ثلثاه فله ) جميع ( ما بقي في الأولين ) أي الدراهم والغنم إن خرج من ثلث باقي جميع أصناف ماله أخيجلبي ( وثلث الباقي في الآخرين ) أي الثياب والعبيد وإن خرج الباقي من ثلث كل المال ( وكالأول كل متحد الجنس كمكيل وموزون ) وثياب متحدة وضابطه ما يقسم جبرا وكالثاني كل مختلف الجنس وضابطه ما لا يقسم جبرا ( وبألف وله دين ) من جنس الألف ( وعين فإن خرج ) الألف ( من ثلث العين دفع إليه وإلا ) يخرج ( فثلث العين ) يدفع له ( وكلما خرج ) شيء ( من الدين دفع إليه ثلثه حتى يستوفي حقه ) وهو الألف ( وبثلثه لزيد وعمرو وهو ) أي عمرو ( ميت لزيد كله ) أي كل الثلث .

والأصل أن الميت أو المعدوم لا يستحق شيئا فلا يزاحم غيره وصار ( كما لو أوصى لزيد وجدار ، هذا إذا خرج المزاحم من الأصل أما إذا خرج ) المزاحم ( بعد صحة الإيجاب يخرج بحصته ) ولا يسلم للآخر كل الثلث لثبوت الشركة ( كما لو قال ثلث مالي لفلان وفلان بن عبد الله إن مت وهو فقير فمات الموصي وفلان بن عبد الله غني كان لفلان نصف الثلث ) وكذا لو مات أحدهما قبل الموصي وفروعه كثيرة . [ ص: 673 ] ( وأصله المعول عليه أنه متى دخل في الوصية ثم خرج لفقد شرط لا يوجب الزيادة في حق الآخر ، ومتى لم يدخل في الوصية لفقد الأهلية كان الكل للآخر ) ذكره الزيلعي ( وقيل العبرة لوقت موت الموصي ) وإليه يشير كلام الدرر تبعا للكافي حيث قال : أو له ولولد بكر فمات ولده قبل موت الموصي إلى آخره لكن قول الزيلعي فيما مر أما إذا خرج المزاحم بعد صحة الإيجاب إلخ صريح في اعتبار حالة الإيجاب وقيل فيه روايتان .

التالي السابق


( قوله : وبهذا اندفع سؤال صدر الشريعة ) حاصل : سؤاله أن قول الموصي ثلث مالي له لا يصلح إخبارا لأنه كذب فتعين الإنشاء ، فينبغي أن يكون له النصف ، وتقرير الدفع سلمنا أن قوله ذلك إنشاء إلا أنه بعد قوله سدس مالي له محتمل ، لأن يكون أراد به زيادة سدس أو أراد ثلثا آخر غير السدس ، فيحمل على المتيقن ( قوله : وإشكال ابن الكمال ) حيث قال في هامش شرحه بعد تقريره جواب السؤال المار بما ذكرناه .

بقي ههنا شيء : وهو أنه لا يخلو من أن يكون الثلث الذي أجازه الورثة ثلثا زائدا على السدس الذي أجازوه أو لا يكون ثلثا زائدا عليه إذ لا وجه لإجازتهم بلا تعيين المراد ، إذ مرجعه إلى إجازة اللفظ ، ولا معنى له والثاني يأباه قوله : وأجازوا لأنه مستغنى عن إجازتهم ، وعلى الأول لا يصح الجواب المذكور ، ولعله لذلك أسقط صاحب الكنز القيد المذكور ا هـ .

وحاصله : أنه يتعين المعنى الثاني وهو أن تكون الإجازة لثلث غير زائد على السدس : أي لثلث داخل فيه السدس لأنه المتيقن ، وبه يتم الجواب عن سؤال صدر الشريعة ، لكن يبقى قوله : وأجازوا زائدا لا فائدة فيه إذ الثلث لازم مطلقا ، ولهذا أسقطه في الكنز .

والجواب ما أشار إليه الشارح بقوله : وإن أجازت الورثة أي إنه غير قيد احترازي بل ذكروه لئلا يتوهم أن له النصف عند الإجازة وليفهم أن له الثلث عند عدمها بالأولى فافهم ، ولله در هذا الشارح على هذه الرموز التي هي جواهر الكنوز ، لكن بقي هنا إشكال ذكره في الشرنبلالية ونقل نحوه وعن قاضي زاده ، وهو أن صاحب الحق وهو الوارث رضي بما يحتمله كلام الموصي من اجتماع الثلث مع السدس وامتناع ما كان غير متيقن لحق الوارث ، فبعد أن رضي كيف يتكلف للمنع ا هـ .

وحاصله : أنه يتعين المعنى الأول وهو أن إجازتهم للزائد لأنه المحتاج إليها .

وأقول : جوابه أنه لما احتمل كلام الموصي حملناه على المتيقن الذي يملكه وهو الوصية بالثلث كما مر ، والوصية إيجاب تمليك ، فكان إيجاب الثلث متيقنا ، وإيجاب الزائد مشكوكا فيه ، وإجازة الوارث لا تعمل إلا فيما أوجبه الموصي ، ولم نتيقن بإيجاب الموصي فيما زاد على الثلث حتى تعمل الإجازة عملها فلغت ، لأن الإجازة ليست ابتداء تمليك ، وإنما هي تنفيذ لعقد الموصي المتوقف عليها ولهذا يثبت الملك للمجاز له من قبل الموصي ، لا من قبل المجيز كما سيجيء آخر الباب هذا ما ظهر لفهمي السقيم من فيض الفتاح العليم ( قوله : مكررا ) بأن قال له سدس مالي ، له سدس مالي في مجلس أو مجلسين كما في الهداية ( قوله لأن المعرفة ) وهي سدس فإنه ذكر معرفا بالإضافة إلى المال قد أعيدت معرفة : أي فكانت عين الأولى وهذا على ما هو الأصل فلا يرد أنها قد تكون غيرا كقوله تعالى - { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب } - أي التوراة لأنه خلاف الأصل لقرينة والمسألة أوضحناها في حواشينا على شرح المنار ( قوله : أو عبيده ) ولا تكون إلا متفاوتة فلذا فصل في الثياب فقط [ ص: 672 ] أفاده في الشرنبلالية .

( قوله إن هلك ثلثاه إلخ ) أي ثلثا الدراهم أو الغنم بأن كانت ثلاثة مثلا فهلك منها اثنان وبقي واحد فله ذلك الباقي بتمامه وقال زفر له ثلث ما بقي هنا أيضا ، لأن المال مشترك والهالك منه يهلك على الشركة ، ويبقى الباقي كذلك ، ووجه قول الإمام وصاحبيه إنه في الجنس الواحد يجمع حق الموصى له في الباقي تقديما للوصية على الميراث ، ولأنه لو لم يهلك شيء فللقاضي أن يجعل هذا الباقي له ، بخلاف الثياب المختلفة ونحوها فإنها لا تقسم جبرا وتمام ذلك في المطولات قال في غاية البيان : وبقول زفر نأخذ وهو القياس ا هـ وأقره في السعدية تأمل ( قوله إن خرج إلخ ) هذا الشرط مصرح به في عامة الشروح حتى في الهداية ( قوله : وبألف إلخ ) لا يقال ينبغي أن لا يستحق من الدين شيئا لأن الألف مال والدين ليس بمال فإن من حلف لا مال له وله دين لا يحنث لأنا نقول الدين يسمى مالا بعد خروجه ، وثبوت حق الموصى له بعد الخروج ممكن كالموصى له بالثلث لا حق له في القصاص ، وإذا انقلب مالا يثبت فيه حقه لأنه مال الميت ، ومسألة اليمين على العرف ، معراج ملخصا .

وبه ظهر أنه لو أوصى بثلث ماله يدخل الدين أيضا وهو أحد قولين ورجحه في الوهبانية وتوقف فيه صاحب البحر في متفرقات القضاء فراجعه ( قوله : من جنس الألف ) كذا في الدرر ، والظاهر أن فائدته مناسبة قوله : وكلما خرج شيء من الدين دفع إليه إذ لو كان دنانير لا تدفع إليه تأمل ، وقدم في المنح عن السراج إذا أوصى بدراهم مرسلة ثم مات تعطى للموصى له لو حاضرة وإلا تباع الشركة ويعطى منها تلك الدراهم ا هـ ( قوله : وعين ) قال أبو يوسف : العين الدراهم والدنانير دون التبر والحلي والعروض والثياب ، والدين كل شيء يكون واجبا في الذمة من ذهب أو فضة أو حنطة ونحو ذلك وتمامه في الطوري ( قوله : فإن خرج الألف إلخ ) قال في العناية بأن كان له ثلاثة آلاف درهم نقدا فيدفع إليه الألف ، وإن لم يخرج بأن كان النقد أيضا ألفا دفع منه إليه ثلثه ( قوله : وإلا يخرج فثلث العين إلخ ) أي ولا يدفع له الألف من العين ، لأن التركة مشتركة بينه وبين الورثة والعين خير من الدين ، فلو اختص به أحدهما تضرر الآخر اختيار أي لاحتمال هلاك الدين عند المديون .

( قوله : لزيد كله ) وعن أبي يوسف إذا لم يعلم الموصي بموته له نصف الثلث لأنه لم يرض له إلا به زيلعي ( قوله : أو المعدوم ) فلو أوصى لزيد ولمن كان في هذا البيت ولا أحد فيه كان الثلث لزيد ، لأن المعدوم لا يستحق مالا وكذا لو أوصى له ولعقبه ، ولأن العقب من يعقبه بعد موته فيكون معدوما في الحال درر وللشرنبلالي في مسألة الوصية للعقب كلام يأتي ما فيه في باب الوصية للأقارب ( قوله : وكذا لو مات أحدهما ) أي أحد الموصى لهما ( قوله : قبل الموصي ) أما بعده فالورثة تقوم مقامه فالمزاحمة موجودة ( قوله وفروعه كثيرة ) منها لو قال ثلث مالي لفلان وعبد الله إن كان عبد الله في هذا البيت ، ولم يكن فيه كان لفلان نصف الثلث ، لأن [ ص: 673 ] بطلان استحقاقه لفقد شرطه لا يوجب الزيادة في حق الآخر منح ( قوله : ثم خرج لفقد شرط ) أي أو لزوال أهلية كما لو مات أحدهما قبل الموصي ( قوله : ذكره الزيلعي ) أي جميع ما تقدم متنا وشرحا ( قوله : وقيل العبرة ) أي في صحة الإيجاب ( قوله : أو له ) أي لزيد ( قوله إلى آخره ) تمامه أو له ولفقراء ولده أو لمن افتقر من ولده ، وفات شرطه عند موت الموصي فالثلث كله لزيد في هذه الصورة ، لأن المعدوم أو الميت لا يستحق شيئا فلا تثبت المزاحمة لزيد فصار كما إذا أوصى لزيد ولجدار ا هـ ( قوله : لكن قول الزيلعي فيما مر ) أي في عبارة المتن ولا محل للاستدراك بعد قول المصنف : وقيل إلخ فإنه مسوق لبيان المخالفة بينه وبين ما مر فتدبر .

ثم اعلم أن تعبير المصنف بقوله وقيل : أخذا من إشارة الدرر والكافي مبني على ما فهمه من مخالفته لما قدمه مع أنه لا مخالفة . بيان ذلك ما ذكره في التتارخانية من الفصل السادس : أن الأصل أن الموصى له إذا كان معينا من أهل الاستحقاق ، تعتبر صحة الإيجاب يوم الوصية ، ومتى كان غير معين تعتبر صحة الإيجاب يوم موت الموصي فلو قال : ثلث مالي لفلان ولولد بكر فمات ولده قبل الموصي فلفلان كل الثلث ، وإن ولد لبكر عشرة أولاد ثم مات الموصي ، فالثلث بين فلان وبين الأولاد على عددهم أحد عشر سهما ، اعتبارا ليوم موت الموصي ، لأن الولد غير معين ، وهو يتناول الواحد والأكثر ، وكذا إذا أوصى لبني فلان وليس له ابن يوم الوصية ثم حدث له بنون ومات الموصي ، فالثلث لهم وإن كان له بنون يوم الوصية ، ولم يسمهم ولم يشر إليهم فالثلث للموجودين عند موته ولو كانوا غير الموجودين وقت الوصية وإن سماهم أو أشار إليهم فالوصية لهم حتى لو ماتوا بطلت لأن الموصى له معين فتعتبر صحة الإيجاب يوم الوصية ا هـ ملخصا .

وبه ظهر أن ما في الدرر من اعتبار يوم الموت لصحة الإيجاب إنما هو لكون الموصى له غير معين ; لأن قوله ولد بكر أو فقراء ولده أو من افتقر غير معين إذ لا تسمية ، ولا إشارة وإذا كان المعتبر يوم الموت في ذلك وفات الشرط عنده بأن كان الولد ميتا أو غنيا فقد خرج المزاحم من الأصل ، فلذا كان جميع الثلث لزيد ، وظهر أيضا أن كلام الزيلعي ليس صريحا في اعتبار حالة الإيجاب مطلقا لأن كلامه في المعين فتدبر




الخدمات العلمية