الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 591 ] ( أسقطته ميتا ) عمدا ( بدواء أو فعل ) كضربها بطنها ( بلا إذن زوجها فإن أذن ) أو لم يتعمد ( لا ) غرة لعدم التعدي ، ولو أمرت امرأة ففعلت لا تضمن المأمورة ، وأما أم الولد إذا فعلته بنفسها حتى أسقطته فلا شيء عليها لاستحالة الدين على مملوكه ما لم تستحق فحينئذ تجب للمولى الغرة لأنه مغرور . وفي الواقعات : شربت دواء لتسقطه عمدا فإن ألقته حيا فمات فعليها الدية والكفارة ، وإن ميتا فالغرة ولا ترث في الحالين [ ص: 592 ] ( ويجب في جنين البهيمة ما نقصت الأم ) إن نقصت ( وإن لم تنقص ) الأم ( لا يجب ) فيه ( شيء ) سراجية . [ فرع ]

في البزازية : ضرب بطن امرأته بالسيف فقطع البطن ووقع أحد الولدين حيا مجروحا بالسيف والآخر ميتا وبه جراحة السيف وماتت أيضا يقتص لأجل الزوجة لأنه عمد وعلى عاقلته دية الولد الحي إذا مات ، وتجب غرة الولد الميت ، لأنه لما ضرب ولم يعلم بالولدين في بطنها كان الضرب خطأ .

التالي السابق


( قوله أسقطته عمدا ) كذا قيد به في الكفاية وغيرها قال في الشرنبلالية وإلا فلا شيء عليها وفي حق غيرها لا يشترط قصد إسقاط الولد كما في الخانية ا هـ ( قوله كضربها بطنها ) وكما إذا عالجت فرجها حتى أسقطت كفاية أو حملت حملا ثقيلا تتارخانية أي على قصد إسقاطه كما علم مما مر ( قوله فإن أذن لا ) ذكره الزيلعي وصاحب الكافي وغيرهما .

وقال في الشرنبلالية : أقول هذا يتمشى على الرواية الضعيفة لا على الصحيح لما قال في الكافي قال لغيره : اقتلني فقتله تجب الدية في ماله في الصحيح ; لأن الإباحة لا تجري في النفوس وسقط القصاص للشبه ، وفي رواية لا يجب شيء ; لأن نفسه حقه ، وقد أذن بإتلاف حقه انتهى ، فكذا الغرة أو دية الجنين حقه غير أن الإباحة منتفية ، فلا تسقط الغرة عن عاقلة المرأة بمجرد أمر زوجها بإتلاف الجنين ، ولأن أمرها لا ينزل عن فعله ، فإنه إذا ضرب امرأته فألقت جنينا لزم عاقلته الغرة ولا يرث منها ، فلو نظرنا لكون الغرة حقه لم يجب بضربه شيء ، ولكن لما كان الآدمي لا يملك أحد إهدار آدميته لزم ما قدره الشارع بإتلافه ، واستحقه غير الجاني ا هـ ملخصا .

أقول : وفيه نظر لما صرحوا به من أن الجنين لم يعتبر نفسا عندنا لعدم تحقق آدميته وأنه اعتبر جزءا من أمه من وجه ولذا لا تجب فيه القيمة أو الدية كاملة ولا الكفارة ما لم تتحقق حياته ، وقدمنا أن وجوب الغرة تعبدي فلا يصح إلحاقه بالنفس المحققة حتى يقال : إن الإباحة لا تجري في النفوس ، فلا يلزم من تصحيح الضمان في الفرع المار تصحيحه في هذا ، وتقدم أول الجنايات أنه لو قال اقطع يدي أو رجلي لا شيء فيه وإن سرى لنفسه ; لأن الأطراف كالأموال فصح الأمر ، فإلحاقه بهذا الفرع أولى ; لأنه إذا لم يكن هو الضارب فالحق له وقد رضي بإتلاف حقه ، بخلاف ما إذا كان هو الضارب فإنها حق غيره ولذا لا يرث منه هذا ما ظهر لفهمي القاصر فتأمله ( قوله ولو أمرت امرأة ) أي أمرت الزوجة غيرها ، والظاهر أن عدم الضمان بعد أن أذن لها زوجها في الإسقاط على ما يدل عليه سوق كلام صاحب الخلاصة ، وإلا فمجرد أمر الأم لا يكون سببا لسقوط حق الأب وهو ظاهر ا هـ واني ، لكن ذكر عزمي أن نفي الضمان عن المأمورة لا يلزم منه نفيه عن الآمرة إذا لم يأذن لها زوجها ، وقد اعترض الشرنبلالي هنا بنظير ما مر وعلمت ما فيه فتدبر ( قوله لاستحالة الدين ) أي لاستحالة وجوب دين وهو الغرة للمولى على مملوكه ط .

( قوله ما لم تستحق إلخ ) قال في الزيادات : اشترى أمة وقبضها وحبلت منه ثم ضربت بطنها عمدا فأسقطته ميتا ، ثم استحقها رجل بالبينة وقضى له بها أو بعقرها على المشتري يقال للمستحق إنها قتلت ولدها الحر ; لأن ولد المغرور حر بالقيمة والجنين الحر مضمون بالغرة فادفع أمتك أو افدها بغرته تتارخانية . ثم قال في جامع الفصولين : أقول : إذا أخذ الغرة ينبغي أن يجوز للمستحق أن يطالبه بقيمة الجنين إذ قيام البدل كقيام المبدل ا هـ لكن سلم له الغرة فيغرم بحسابها وتمامه في ط عن الهندية ( قوله للمولى ) أي المستولد ( قوله فعليها الدية والكفارة ) أي ولو بإذن الزوج لتحقق الجناية على نفس حية فلا تجري فيها الإباحة ، بخلاف [ ص: 592 ] ما إذا ألقته ميتا فتسقط الغرة عنها لو بإذنه كما مر تأمل ( قوله ويجب في جنين البهيمة إلخ ) هذا إذا ألقته ميتا ، أما إذا ألقته حيا فمات من الضرب تجب قيمته في ماله حالة ولا يجبر بها نقصان الأم كما يجبر نقصان الأمة بقيمة جنينها ; لأنه مال أتلفه فيضمنه مع نقصان الأم تأمل رملي ( قوله ووقع أحد الولدين حيا إلخ ) أي ثم مات ( قوله وماتت أيضا ) أي ثم ماتت الأم أيضا كما عبر في التتارخانية فأفاد أن موتها بعد موت الذي وقع حيا إذ لو ماتت قبله لورث القصاص على أبيه فيسقط كما قاله المحشي الحلبي ( قوله وتجب غرة الولد الميت ) لو أسقط تجب وعطف الغرة على الدية لكان أولى ، ليفيد أنها على العاقلة أيضا ، وإنما لم تجب فيه الدية أيضا لعدم التحقق بحياته كما مر .

( قوله ; لأنه لما ضرب إلخ ) تعليل لوجوب الدية على عاقلته لا في ماله ، إذ لو كان الضرب بالنسبة للولد عمدا لم تجب على العاقلة ، ومقتضاه لو علم بالولدين وقصد ضربهما أيضا أنه تجب دية الحي في ماله في ثلاث سنين لسقوط القصاص بشبهة الأبوة ، أما لو علم بهما ولم يقصد ضربهما بل قصد ضرب الأم فقط لا تجب دية الحي في ماله كمن قصد رمي شخص فنفذ منه السهم إلى آخر تأمل ، والله تعالى أعلم




الخدمات العلمية