الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يحل ) ( ذو ناب يصيد بنابه ) فخرج نحو البعير ( أو مخلب يصيد بمخلبه ) أي ظفره فخرج نحو الحمامة ( من سبع ) بيان لذي ناب . والسبع : كل مختطف منتهب جارح قاتل عادة ( أو طير ) بيان لذي مخلب ( ولا ) ( الحشرات ) هي صغار دواب الأرض واحدها حشرة ( والحمر الأهلية ) بخلاف الوحشية فإنها ولبنها حلال ( والبغل ) الذي أمه حمارة ، فلو أمه بقرة أكل اتفاقا ولو فرسا فكأمه [ ص: 305 ] ( والخيل ) وعندهما ، والشافعي تحل .

وقيل إن أبا حنيفة رجع عن حرمته قبل موته بثلاثة أيام وعليه الفتوى عمادية ولا بأس بلبنها على الأوجه ( والضبع والثعلب ) لأن لهما نابا ، وعند الثلاثة يحل ( والسلحفاة ) برية وبحرية ( والغراب الأبقع ) الذي يأكل الجيف لأنه ملحق بالخبائث قاله المصنف . ثم قال : والخبيث ما تستخبثه الطباع السليمة [ ص: 306 ] ( والغداف ) بوزن غراب : والنسر جمعه غدفان قاموس ( والفيل ) والضب ، وما روي من أكله محمول على الابتداء ( واليربوع وابن عرس والرخمة والبغاث ) هو طائر دنيء الهمة يشبه الرخمة وكلها من سباع البهائم . وقيل الخفاش لأنه ذو ناب .

التالي السابق


( قوله ولا يحل ذو ناب إلخ ) كان الأنسب ذكره هذه المسائل في كتاب الصيد لأنها منه إلا الفرس والبغل والحمار أتقاني ، والدليل عليه { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير } رواه مسلم وأبو داود وجماعة .

والسر فيه أن طبيعة هذه الأشياء مذمومة شرعا فيخشى أن يتولد من لحمها شيء من طباعها فيحرم إكراما لبني آدم ، كما أنه يحل ما أحل إكراما له ط عن الحموي . وفي الكفاية : والمؤثر في الحرمة الإيذاء وهو طورا يكون بالناب وتارة يكون بالمخلب أو الخبث ، وهو قد يكون خلقة كما في الحشرات والهوام ، وقد يكون بعارض كما في الجلالة ( قوله أو مخلب ) مفعل من الخلب : وهو مزق الجلد زيلعي ، وهو ظفر كل سبع من الماشي والطائر كما في القاموس قهستاني ( قوله من سبع ) بفتحتين وسكون الباء وضمها : هو حيوان منتهب من الأرض مختطف من الهواء جارح قاتل عادة فيكون شاملا لسباع البهائم والطير فلا حاجة إلى قوله أو طير ، ولعله ذكره لموافقة الحديث قهستاني ( قوله واحدها حشرة ) بالتحريك فيهما : كالفأرة والوزغة وسام أبرص والقنفذ والحية والضفدع والزنبور والبرغوث والقمل والذباب والبعوض والقراد ، وما قيل إن الحشرات هوام الأرض كاليربوع وغيره ، ففيه أن الهامة ما تقتل من ذوات السم كالعقارب قهستاني ( قوله والحمر الأهلية ) ولو توحشت تتارخانية ( قوله بخلاف الوحشية ) وإن صارت أهلية ووضع عليها الإكاف قهستاني ( قوله الذي أمه حمارة ) الحمارة بالهاء الأتان قاموس . وقال في باب النون : الأتان الحمارة فافهم ( قوله فكأمه ) فيكون على الخلاف الآتي في الخيل [ ص: 305 ] لأن المعتبر في الحل والحرمة الأم فيما تولد من مأكول وغير مأكول ط ، ويأتي تمام الكلام فيه آخر الباب

( قوله والخيل ) كذا قال ابن كمال باشا عطفا على قوله لا يحل ذو ناب ، ومثله في الاختيار . وعبارة القدوري والهداية : ويكره أكل لحم الفرس عند أبي حنيفة ا هـ . والمكروه تحريما يطلق عليه عدم الحل شرنبلالية ، فأفاد أن التحريم ليس لنجاسة لحمها ولهذا أجاب في غاية البيان عما هو ظاهر الرواية من طهارة سؤر الفرس بأن حرمة الأكل للاحترام من حيث إنه يقع به إرهاب العدو لا للنجاسة فلا يوجب نجاسة السؤر كما في الآدمي ا هـ ( قوله وعليه الفتوى ) فهو مكروه كراهة تنزيه ، وهو ظاهر الرواية كما في كفاية البيهقي وهو الصحيح على ما ذكره فخر الإسلام وغيره قهستاني ، ثم نقل تصحيح كراهة التحريم عن الخلاصة والهداية والمحيط والمغني وقاضي خان والعمادي وغيرهم وعليه المتون ، وأفاد أبو السعود أنه على الأول لا خلاف بين الإمام وصاحبيه لأنهما وإن قالا بالحل لكن مع كراهة التنزيه كما صرح به في الشرنبلالية عن البرهان : قال ط : والخلاف في خيل البر ، أما خيل البحر فلا تؤكل اتفاقا ( قوله ولا بأس بلبنها على الأوجه ) نقل في غاية البيان عن قاضي خان أن عامة المشايخ قالوا : إنه مكروه كراهة تحريم عنده إلا أنه لا يحد به وإن زال عقله كالبنج .

وفي الهداية : وأما لبنه فقد قيل لا بأس به لأنه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد ، وسماه في كتاب الحدود مباحا فقال : السكر من المباح لا يوجب الحد كالبنج ولبن الرماك . قال المصنف في منحه : قلت هذا هو الذي يظهر وجهه كما لا يخفى ، وفي البزازية أنه اختاره الوانجاني ، فقول الشارح على الأوجه مأخوذ من كلام المصنف ، وهذا كله بناء على القول بكراهة الأكل تحريما تأمل ( قوله والضبع ) بضم الباء وسكونها قهستاني اسم للأنثى ويقال للذكر ضبعان بكسر فسكون . ومن عجيب أمره أنه يحيض ويكون ذكرا سنة وأنثى أخرى أبو السعود عن الأبياري ( قوله لأن لهما نابا ) أي يصيدان به فيدخلان تحت الحديث المار كما في الهداية ، وما روي مما يدل على إباحتهما فمحمول على ما قبل التحريم ، فإن الأصل متى تعارض نصان غلب المحرم على المبيح كما يذكره الشارح في الضب ( قوله والسلحفاة ) بضم السين وفتح اللام وبمهملة ساكنة رملي عن شرح الروض ، وضبطها غيره بكسر السين وهو كذلك في القاموس ( قوله والغراب الأبقع ) أي الذي فيه بياض وسواد قهستاني .

قال في العناية : وأما الغراب الأبقع والأسود فهو أنواع ثلاثة : نوع يلتقط الحب ولا يأكل الجيف وليس بمكروه . ونوع لا يأكل إلا الجيف وهو الذي سماه المصنف الأبقع وإنه مكروه . ونوع يخلط يأكل الحب مرة والجيف أخرى ولم يذكره في الكتاب ، وهو غير مكروه عنده مكروه عند أبي يوسف ا هـ والأخير هو العقعق كما في المنح وسيأتي

( قوله والخبيث إلخ ) قال في معراج الدراية : أجمع العلماء على أن المستخبثات حرام بالنص وهو قوله تعالى - { ويحرم عليهم الخبائث } - وما استطابه العرب حلال - { ويحل لهم الطيبات } - وما استخبثه العرب فهو حرام بالنص ، والذين يعتبر استطابتهم أهل الحجاز من أهل الأمصار ، لأن الكتاب نزل عليهم وخوطبوا به ، ولم يعتبر أهل البوادي لأنه للضرورة والمجاعة يأكلون ما يجدون ، وما وجد في أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز ، فإن كان مما يشبه شيئا منها فهو مباح لدخوله [ ص: 306 ] تحت قوله تعالى - { قل لا أجد } - الآية ، ولقوله عليه الصلاة والسلام { ما سكت الله عنه فهو مما عفا الله عنه } ا هـ ( قوله قاموس ) نص عبارته : الغداف كغراب غراب القيظ ، والنسر الكثير الريش جمعه غدفان ا هـ . وقال مسكين : إنه العقعق ، ولما كان الأصح في العقعق أنه لا بأس بأكله اقتصر الشارح على المعنى الثاني فافهم ، نعم اقتصر الأتقاني على الأول فقال : وكذا الغداف لا يؤكل ، وهو غراب القيظ الكبير من الغربان وافي الجناحين ا هـ وهذا يفيد أن العقعق غيره كما يعلم مما سنذكره تأمل . والقيظ : الحر ، سمي به لأنه يجيء في زمن الحر ( قوله على الابتداء ) أي ابتداء الإسلام قبل نزول قوله تعالى - { ويحرم عليهم الخبائث } - للأصل المار ( قوله واليربوع ) بوزن يفعول : دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها ورجلاه أطول من يده عكس الزرافة والجمع يرابيع ، والعامة تقول جربوع بالجيم أبو السعود

( قوله وابن عرس ) دويبة أشتر أصلم أصك جمعه بنات عرس هكذا يجمع الذكر والأنثى قاموس ( قوله والرخمة ) بفتحتين : طائر أبقع يشبه النسر خلقة ، ويسمى آكل العظم غرر الأفكار ( قوله والبغاث ) بالغين المعجمة وتثليث الباء رملي ( قوله وكلها من سباع البهائم ) ثم أراد بها ما يشمل الطير . وفي القاموس : البهيمة كل ذات أربع قوائم ولو في الماء وكل حي لا يميز ( قوله وقيل الخفاش ) أي كذلك لا يحل فهو مبتدأ حذف خبره والقائل قاضي خان . قال الأتقاني : وفيه نظر ، لأن كل ذي ناب ليس بمنهي عنه إذا كان لا يصطاد بنابه ا هـ . وفي القاموس : الخفاش كرمان الوطواط سمي لصغر عينيه وضعف بصره . [ تتمة ]

قال في غرر الأفكار : عندنا يؤكل الخطاف والبوم ، ويكره الصرد والهدهد ، وفي الخفاش اختلاف . وأما الدبسي والصلصل والعقعق واللقلق واللحام فلا يستحب أكلها وإن كانت في الأصل حلالا لتعارف الناس بإصابة آفة لآكلها فينبغي أن يتحرز عنه . وحرم الشافعي الخطاف والببغاء والطاووس والهدهد ا هـ ولا يؤكل السنور الأهلي والوحشي والسمور والسنجاب والفنك والدلق كما في القهستاني ، وكل ما لا دم له فهو مكروه أكله إلا الجراد كالزنبور والذباب أتقاني . ولا بأس بدود الزنبور قبل أن ينفخ فيه الروح لأن ما لا روح له لا يسمى ميتة خانية وغيرها : قال ط : ويؤخذ منه أن أكل الجبن أو الخل أو الثمار كالنبق بدوده لا يجوز إن نفخ فيه الروح ا هـ




الخدمات العلمية