الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان ذم الدنيا .

الآيات الواردة في ذم الدنيا ، وأمثلتها كثيرة ، وأكثر القرآن مشتمل على ذم الدنيا ، وصرف الخلق عنها ، ودعوتهم إلى الآخرة ، بل هو مقصود الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولم يبعثوا إلا لذلك ، فلا حاجة إلى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها ، وإنما نورد بعض الأخبار الواردة فيها .

فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة ميتة فقال : أترون هذه الشاة هينة على أهلها ? قالوا : من هوانها ألقوها .

قال : والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء
.

وقال صلى الله عليه وسلم : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر .

التالي السابق


(بيان ذم الدنيا)

(الآيات الواردة في ذم الدنيا، وأمثلتها كثيرة، وأكثر القرآن مشتمل على ذم الدنيا، وصرف الخلق عنها، ودعوتهم إلى الآخرة، بل هو مقصود الأنبياء - عليهم السلام -، ولم يبعثوا إلا لذلك، فلا حاجة إلى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها، وإنما نورد بعض الأخبار الواردة فيها، فقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم مر على شاة ميتة) شائلة برجلها، وفي لفظ: بجدي أجرب ميت (فقال: أترون هذه الشاة هينة على أهلها؟ قالوا: من هوانها ألقوها، قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) .

قال العراقي: رواه ابن ماجه، والحاكم، وصحح إسناده من حديث سهل بن سعد.

وأخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وروى الترمذي، وابن ماجه من حديث المسور بن مخرمة دون هذه القطعة الأخيرة، ولمسلم نحوه من حديث جابر. ا ه .

قلت: رواه ابن ماجه، والحاكم في المستدرك من طريق أبي يحيى زكريا بن منظور، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد به [ ص: 80 ] ولفظه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فإذا هو بشاة ميتة شائلة برجلها، فقال: أترون هذه هينة على صاحبها؟ فوالذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة أبدا، قال الحاكم: صحيح الإسناد، وهو متعقب، فابن منظور ضعيف، وأما الجملة الأخيرة من الحديث فقط بلفظ المصنف، فقد أخرجها الترمذي من طريق عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم، عن سعد بن سعد رفعه به، وقال: صحيح غريب من هذا الوجه، وهو من هذا الوجه عند الطبراني، وأبي نعيم، ومن طريقهما أورده الضياء في المختارة، وكذلك رواه البيهقي في الشعب .

وأخرجه كذلك القضاعي في مسند الشهاب من طريق أبي جعفر محمد بن أحمد بن أبي عوف، حدثنا أبو مصعب، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رفعه: لو كانت الدنيا...

إلخ، وكذلك رواه الخطيب عن رواة مالك، وفي الباب عن أبي هريرة أشار إليه الترمذي.

(وقال صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن) بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم (وجنة الكافر) بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم، وقال بعضهم: معنى قوله: الدنيا سجن المؤمن، أي: لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة، فكأنه في سجن، والكافر عكسه، فكأنه في جنة، وقال بعض العارفين: الدنيا سجن المؤمن إن شعر به، وضيق فيه على نفسه طلبت السراح منه إلى الآخرة فيسعد، ومن لم يشعر بأنها سجن فوسع فيها على نفسه طلبت البقاء فيها، وليست باقية فيشقى .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي هريرة. ا ه .

قلت: رواه من طريق الدراوردي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة به مرفوعا، وكذلك رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وكذا هو في حديث مالك، عن العلاء، وفي الباب، عن ابن عمر، وسليمان، وابن عمرو، أما حديث ابن عمر، فأخرجه البزار، والعسكري، والقضاعي من طريق موسى بن عقبة بن عبد الله بن دينار عنه، ولفظه: كسياق حديث أبي هريرة.

وأخرجه الطبراني، وأبو نعيم، واللفظ له من حديث ابن عمر مرفوعا: يا أبا ذر الدنيا سجن المؤمن، والقبر أمنه، والجنة مصيره، يا أبا ذر، إن الدنيا جنة الكافر، والقبر عذابه، والنار مصيره، المؤمن من لم يخرج من ذل دنياه... الحديث .

وأما حديث سليمان، فرواه الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، ولفظه لفظ حديث أبي هريرة.

وأخرجه العسكري في الأمثال من طريق عامر بن عطية، قال: رأيت سلمان أكره على طعام، فقال: حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا، يا سليمان، إنما الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر.

وأما حديث ابن عمرو، فأخرجه أحمد، والطبراني، وأبو نعيم، والحاكم من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عنه بلفظ: الدنيا سجن المؤمن، وسنته، فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة.

ورواه البغوي في شرح السنة، ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن جنادة، وهو ثقة، ورواه ابن المبارك في الزهد، وزاد: مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فخرج منه، فجعل يتقلب في الأرض، وينفسج فيها، وقد روي عن الحسن مرسلا .

أخرجه العسكري في الأمثال من طريق سعيد بن سليمان، عن ابن المبارك، قال: كان الحسن يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر، فالمؤمن يتزود، والكافر يتمتع، والله إن أصبح فيها مؤمن إلا حزينا، وكيف لا يحزن من جاءه من الله أنه وارد جهنم، ولم يأته أنه صادر عنها.




الخدمات العلمية