الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المثال الأول غرور الكفار فمنهم من غرته الحياة الدنيا ومنهم من غره بالله الغرور .

التالي السابق


(المثال الأول غرور الكفار) ، وهم المحجوبون بمحض الظلمة، وهم أقسام: الأول الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وهؤلاء صنفان صنف تشوف إلى طلب سبب لهذا العالم فأحاله على الطبع، والطبع عبارة عن صفة مركوزة في الأجسام حالة فيها، وهي مظلمة إذ ليس لها معرفة إدراك، ولا خبر لها من نفسها، ولا مما يصدر منها، وليس لها نور يدرك بالبصر الظاهر، أيضا الصنف الثاني هم الذين شغلوا بأنفسهم، ولم يتفرغوا لطلب السبب أيضا بل عاشوا عيش البهائم فكان حجابهم أنفسهم المكدرة، وشهواتهم المظلمة، فلا ظلمة أشد من الهوى والنفس .

وهؤلاء ينقسمون فرقا: الأولى زعمت أن عامة المطلب في الدنيا هي الأوطار، ونيل الشهوات، وإدراك اللذات البهيمية، فهؤلاء عبيد اللذات يعبدونها، ويطلبونها، ويعتقدون أن نيلها غاية السعادة رضوا لأنفسهم أن يكونوا بمنزلة البهائم، بل أخس حالا منها فأي ظلمة أشد من ذلك، فقد حجب هؤلاء بمحض الظلمة، والثانية رأت أن غاية السعادات هي الغلبة، والاستيلاء، والفتك، والسبي، والقتل، والأسر، وهم محجوبون بظلمة الصفات السبعية لغلبتها عليهم .

الثالثة رأت أن غاية السعادات كثرة المال، واتساع اليسار; لأن المال هو آلة قضاء الشهوات كلها، وبه يحصل للإنسان الاقتدار على قضاء الأوطار فهؤلاء همتهم جمع الأموال، والاستكثار منها، واكتساب الضياع والعقار والخيل والأنعام والحرث بركوب الأخطار في البراري والبحار .

والرابعة ترقت عن جهالة هؤلاء، وتعاقلت وزعمت أن أعظم السعادات اتساع الجاه والصيت، وانتشار الذكر، وكثرة الأتباع، ونفوذ الأمر المطاع، فتراها لا هم لها إلا المراءاة، وعمارة مطارح أبصارهم ناظرين، حتى إن الواحد قد يجوع في بيته، ويتحمل الصبر، ويصرف ماله إلى ثياب يتجمل بها عند خروجه كيلا ينظر إليه الناس بعين الحقارة، وأصناف هؤلاء لا يحصون، وكلهم محجوبون عن الله بمحض الظلمة، وهي نفوسهم المظلمة .

(فمنهم من غرتهم الحياة الدنيا، ومنهم من غرهم بالله الغرور) ، ويدخل في ظلمة هؤلاء جماعة يقولون بلسانهم: لا إله إلا الله، ولكن حملهم على ذلك خوف، أو استظهار بالمسلمين، وتجمل بهم، واستمداد من مالهم أو لأجل التعصب بنصرة مذهب الآباء، وهؤلاء إذا لم تحملهم الكلمة على الكمال الصالح فلا تخرجهم الكلمة عن الظلمة إلى النور، بل أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، أما من أثرت فيه الكلمة بحيث ساءته سيئة، وسرته حسنة فهو خارج عن محض الظلمة، وإن كان كثير المعصية .

القسم الثاني طائفة حجبوا بنور مقرون بظلمة، وهم ثلاثة أصناف; صنف منشأ ظلمتهم من الحس، وصنف منشأ ظلمتهم من الخيال، وصنف منشأ ظلمتهم من مقايسات عقلية فاسدة، وتحت كل صنف طوائف; فمن طوائف الصنف الأول عبدة الأوثان، وعبدة الجمال المطلق، وعبدة النار، وعبدة الكواكب، والثنوية .




الخدمات العلمية