الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإنما يعظم الذنب في قلب المؤمن لعلمه بجلال الله فإذا نظر إلى عظم من عصى به رأى الصغيرة كبيرة ، وقد أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه : لا تنظر إلى قلة الهدية ، وانظر إلى عظم مهديها ، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة ، وانظر إلى كبرياء من واجهته بها وبهذا الاعتبار قال بعض العارفين : لا صغيرة ، بل كل مخالفة فهي كبيرة وكذلك قال بعض الصحابة رضي الله عنهم للتابعين وإنكم : لتعملون أعمالا هي في أعينكم أدق من الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات إذ كانت معرفة الصحابة بجلال الله أتم ، فكانت الصغائر عندهم بالإضافة إلى جلال الله تعالى من الكبائر ، وبهذا السبب يعظم من العالم ما لا يعظم من الجاهل ، ويتجاوز عن العاصي في أمور ، لا يتجاوز في أمثالها عن العارف لأن الذنب والمخالفة يكبر بقدر معرفة المخالف .

التالي السابق


(وإنما يعظم الذنب في قلب المؤمن لعلمه بجلال الله تعالى) وعظمته وهيبته في قلبه، (فإذا نظر إلى عظم من عصى به رأى الصغير كبيرا، وقد أوحى الله إلى بعض أنبيائه: لا تنظر إلى قلة الهدية، وانظر إلى عظم مهديها، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة، وانظر إلى كبرياء من واجهته بها) نقله صاحب القوت، إلا أنه قال: وقد حدثنا عن الله تعالى: أنه أوحى إلى بعض أوليائه، والباقي سواء، ثم قال: وإنما عظمت الذنوب على تعظيم المواجهة بها، وكبرت في القلوب بمشاهدة ذي الكبرياء ومخالفة أمره إليها فلم يغفر ذنب عند ذلك، (وبهذا الاعتبار قال بعض العارفين: لا صغيرة، بل كل مخالفة فهي كبيرة) ، روي ذلك عن ابن عباس; أخرج ابن جرير عن أبي الوليد قال: سألت ابن عباس عن الكبائر قال: كل شيء عصي الله به فهو كبيرة، وقد تقدم، واختاره أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين في الإرشاد، والقشيري في المرشدة، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة، واختاره في تفسيره، واعتمد عليه التقي السبكي، وقد تقدم أن المصنف ضعف هذا القول، قال صاحب القوت: فكانت الصغائر عند الخائفين كبائر، وهذا أحد الوجهين في قوله تعالى: ومن يعظم حرمات الله ، وقوله تعالى: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ، (وكذلك قال بعض الصحابة) أبو سعيد الخدري كما تقدم التصريح به للمصنف، وقيل: أنس، وقيل: عبادة بن الصامت (للتابعين: إنكم لتعملون أعمالا في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) ، وتقدم للمصنف من الكبائر بدل الموبقات، فحديث أبي سعيد رواه أحمد والبزار، وحديث أنس رواه البخاري، وحديث عبادة رواه أحمد والحاكم، وقد تقدم .

قال صاحب القوت: ليس يعنون أن الكبائر التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صارت بعده صغائر، ولكن كانوا يستعظمون الصغائر لعظم الله في قلوبهم، وعظم نور الإيمان، ولم يكن ذلك في قلوب من بعدهم، وإليه أشار المصنف بقوله: (إذ كانت معرفة الصحابة أتم بجلال الله، فكانت الصغائر عندهم بالإضافة إلى جلال الله تعالى من الكبائر، وبهذا السبب يعظم من العالم ما لا يعظم من الجاهل، ويتجاوز عن العاصي في أمور، لا يتجاوز في أمثالها عن العارف) البصير; (لأن الذنب والمخالفة يكبر بقدر معرفة المخالف) فكلما زادت معرفته بالله زادت خشيته له، وكان أبعد الناس عن المخالفة له في أمره .




الخدمات العلمية