الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الكاتبون فلإثباتهما الحسنات والسيئات وإنما يكتبان في صحائف مطوية في سر القلب ومطوية عن سر القلب حتى لا يطلع عليه في هذا العالم ، فإنهما وكتبتهما وخطهما وصائفهما وجملة ما تعلق بهما من جملة عالم الغيب والملكوت لا من عالم الشهادة وكل شيء من عالم الملكوت لا تدركه الأبصار في هذا العالم ثم تنشر هذه الصحائف المطوية عنه مرتين ، مرة في القيامة الصغرى ، ومرة في القيامة الكبرى ، وأعني بالقيامة الصغرى حالة الموت إذ قال صلى الله عليه وسلم : من مات فقد قامت قيامته وفي هذه القيامة يكون العبد وحده وعندها يقال : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة : وفيها يقال : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا أما في القيامة الكبرى الجامعة لكافة الخلائق فلا يكون وحده بل ربما يحاسب على ملأ من الخلق وفيها يساق المتقون إلى الجنة ، والمجرمون إلى النار زمرا لا آحادا .

التالي السابق


(وأما الكاتبين فلإثباتهما الحسنات والسيئات) في صحائف أعمال العباد، (وإنما يكتبان في صحائف مطوية في سر القلب) أي: باطنه (ومطوية عن سر القلب حتى لا يطلع عليه في هذا العالم، فإنهما وكتبتهما وخطهما وصحائفهما وجملة ما يتعلق بهما من جملة عالم الغيب والملكوت لا من عالم الشهادة) والملك (وكل شيء من عالم الملكوت لا تدركه الأبصار في هذا العالم) وإنما تدركه البصائر الصافية المصقولة بأنوار العرفان، (ثم تنتشر هذه الصحائف المطوية عنه مرتين، مرة في القيامة الصغرى، ومرة في القيامة الكبرى، وأعني بالقيامة الصغرى حالة الموت إذ قال صلى الله عليه وسلم: من مات فقد قامت قيامته) .

قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في كتاب من حديث أنس بسند ضعيف انتهى .

قلت: وعند ابن لال في مكارم الأخلاق والديلمي من حديث أنس : إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، واعبدوا الله كأنكم ترونه، واستغفروه كل ساعة. وروى العسكري في الأمثال من حديث أنس : أكثروا ذكر الموت، فإنكم إن ذكرتموه في غنى كدره عليكم، وإن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم. الموت القيامة إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، يرى ما له من خير وشر، وفيه داود بن المحبر كذاب عن عنبسة بن عبد الرحمن متروك متهم عن محمد بن زازان، قال البخاري: لا يكتب حديثه، ورواه ابن لال في المكارم بلفظ: أكثروا ذكر الموت، فإن ذلك تمحيص للذنوب وتزهيد في الدنيا، الموت القيامة. وعند ابن أبي الدنيا فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا، وسنده ضعيف جدا. وروى الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: يقولون القيامة القيامة، وإنما قيامة الرجل موته. ومن رواية سفيان عن أبي قيس قال: شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته .

(وفي هذه القيامة يكون العبد وحده وعندها يقال: ولقد جئتمونا فرادى) أي: أفرادا (كما خلقناكم أول مرة) أي: في وقت الولادة، (وفيها يقال: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) أي: حاسبا، (أما في القيامة الكبرى الجامعة لكافة الخلائق) من الأول إلى الآخر، (فلا يكون وحده بل ربما يحاسب على ملأ من الخلق) ورءوس الأشهاد، (وفيها يساق المتقون إلى الجنة، والمجرمون إلى النار زمرا لا آحادا) ، كما دل عليه قوله تعالى: وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا الآية .




الخدمات العلمية