الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المهم الثاني : الملبس .

وأقل درجته ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يتغطى به وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل وما جاوز هذا من حيث المقدار فهو مجاوز حد الزهد وشرط الزاهد أن لا يكون له ثوب يلبسه إذا غسل ثوبه بل يلزمه القعود في البيت فإذا صار صاحب قميصين وسراويلين ومنديلين فقد خرج من جميع ألوان الزهد من حيث المقدار .

أما الجنس فأقله المسوح .

الخشنة وأوسطه الصوف الخشن وأعلاه القطن الغليظ .

وأما من حيث الوقت فأقصاه ما يستر سنة وأقله ما يبقى يوما حتى رقع بعضهم ثوبه بورق الشجر وإن كان يتسارع الجفاف إليه وأوسطه ما يتماسك عليه شهرا ومما يقاربه ، فطلب ما يبقى أكثر من سنة خروج إلى طول الأمل وهو مضاد للزهد وإلا إذا كان المطلوب خشونته ثم قد يتبع ذلك قوته ودوامه فمن وجد زيادة من ذلك فينبغي أن يتصدق به فإن أمسكه لم يكن زاهدا بل كان محبا للدنيا ولينظر فيه إلى أحوال الأنبياء والصحابة كيف تركوا الملابس قال أبو بردة أخرجت لنا عائشة رضي الله تعالى عنها : كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت : قبض رسول الله : صلى الله عليه وسلم : في هذين وقال : صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يحب المتبذل الذي لا يبالى مما لبس وقال عمرو بن الأسود العنسي لا ألبس مشهورا أبدا ولا أنام بليل أبدا على دثار أبدا ولا أركب على مأثور أبدا ولا أملأ جوفي من طعام أبدا فقال عمر من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله : صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى عمرو بن الأسود .

وفي الخبر ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه وإن كان عنده حبيبا واشترى رسول الله : صلى الله عليه وسلم : ثوبا بأربعة دراهم .

وكانت قيمة ثوبيه عشرة وكان إزاره أربعة أذرع ونصفا واشترى سراويل بثلاثة دراهم .

وكان يلبس شملتين بيضاوين من صوف وكانت تسمى حلة لأنها ثوبان من جنس واحد وربما كان يلبس بردين يمانيين أو سحوليين من هذه الغلاظ .

وفي الخبر : كان قميص رسول الله : صلى الله عليه وسلم كأنه قميص زيات .

ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوما واحدا ثوبا سيراء من سندس قيمته مائتا درهم فكان أصحابه يلمسونه ويقولون : يا رسول الله أنزل عليك هذا من الجنة تعجبا وكان قد أهداه إليه المقوقس ملك الإسكندرية فأراد أن يكرمه بلبسه ثم نزعه وأرسل به إلى رجل من المشركين وصله به ثم حرم لبس الحرير والديباج .

وكأنه إنما لبسه أولا تأكيدا للتحريم كما لبس خاتما من ذهب يوما ثم نزعه فحرم لبسه على الرجال وكما قال لعائشة في شأن بريرة اشترطي لأهلها الولاء فلما اشترطته صعد عليه السلام المنبر فحرمه وكما أباح المتعة ثلاثا ثم حرمها لتأكيد أمر النكاح وقد صلى رسول الله : صلى الله عليه وسلم : في خميصة لها علم فلما سلم قال شغلني النظر إلى هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته يعني كساءه فاختار لبس الكساء على الثوب الناعم وكان شراك نعله قد أخلق فأبدل بسير جديد فصلى فيه فلما سلم قال : أعيدوا الشراك الخلق وانزعوا هذا الجديد فإني نظرت إليه في الصلاة ولبس خاتما من ذهب ونظر إليه على المنبر نظرة فرمى به فقال شغلني : هذا عنكم نظرة إليه ونظرة إليكم وكان : صلى الله عليه وسلم : قد احتذى مرة نعلين جديدين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا وقال : أعجبني حسنهما فتواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما فدفعهما إلى أول مسكين رآه .

وعن سنان بن سعد قال حيكت لرسول الله : صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار وجعلت حاشيتها سوداء ، فلما لبسها قال : انظروا ما أحسنها ما ألينها قال : فقام إليه أعرابي فقال : يا رسول الله هبها لي ، وكان رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إذا سئل شيئا لم يبخل به قال : فدفعها إليه وأمر أن يحاك له واحدة أخرى فمات : صلى الله عليه وسلم : وهي في المحاكة .

وعن جابر قال دخل رسول الله : صلى الله عليه وسلم : على فاطمة رضي الله تعالى عنها : وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر الإبل ، فلما نظر إليها بكى وقال : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لنعيم الأبد فأنزل الله عليه ولسوف يعطيك ربك فترضى وقال : صلى الله عليه وسلم : إن من خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله تعالى : ويبكون سرا من خوف عذابه مؤنتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة يلبسون الخلقان ويتبعون الرهبان أجسامهم في الأرض وأفئدتهم عند العرش فهذه كانت سيرة رسول الله : صلى الله عليه وسلم : في الملابس وقد أوصى أمته عامة باتباعه إذ قال : من أحبني فليستن بسنتي وقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وقال تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وأوصى رسول الله : صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها : خاصة وقال إن أردت اللحوق بي فإياك ومجالسة الأغنياء ولا تنزعي ثوبا حتى ترقعيه و عد على قميص عمر : رضي الله عنه : اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم .

واشترى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثوبا بثلاثة دراهم ولبسه وهو في الخلافة وقطع كميه من الرسغين وقال : الحمد لله الذي كساني هذا من رياشه .

وقال الثوري وغيره : البس من الثياب ما لا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند الجهال وكان يقول : إن الفقير ليمر بي وأنا أصلي فأدعه يجوز ويمر بي واحد من أبناء الدنيا وعليه هذه البزة فأمقته ولا أدعه يجوز وقال بعضهم : قومت ثوبي سفيان ونعليه بدرهم وأربعة دوانق وقال ابن شبرمة خير ثيابي ما خدمني وشرها ما خدمته .

وقال بعض السلف : البس من الثياب ما يخلطك بالسوقة ولا تلبس منها ما يشهرك فينظر إليك .

وقال أبو سليمان الداراني الثياب ثلاثة : ثوب لله وهو ما يستر العورة وثوب للنفس وهو ما يطلب لينه وثوب للناس وهو ما يطلب جوهره وحسنه .

وقال بعضهم : من رق ثوبه رق دينه .

وكان جمهور العلماء من التابعين قيمة ثيابهم ما بين العشرين إلى الثلاثين درهما وكان الخواص لا يلبس أكثر من قطعتين قميص ومتزر تحته ، وربما يعطف ذيل قميصه على رأسه وقال بعض السلف : أول النسك الزي .

التالي السابق


(المهم الثاني: الملبس وأقل درجاته ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يتغطى به وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان وأعلاه أن يكون منديلا) لربط الرأس (وسراويل وما جاوز هذا من حيث المقدار فهو مجاوز حد الزهد وشرط الزاهد أن لا يكون له ثوب يلبسه إذا غسل ثوبه بل يلزمه القعود في البيت) حتى يجف (فإذا صار صاحب قميصين وسروالين ومنديلين فقد [ ص: 352 ] خرج من جميع أنواع الزهد من حيث المقدار أما الجنس فأقله المسوح الخشنة) وهي ثياب تنسج من الشعر (وأوسطه الصوف الخشن وأعلاه القطن الغليظ) وهو الكرباس .

(وأما من حيث الوقت فأقصاه ما يستر سنة وأقله ما يبقى يوما حتى رفع بعضهم ثوبه بورق الشجر وإن كان يتسارع الجفاف إليه) فيتكسر (وأوسطه ما يتماسك عليه شهرا وما يقاربه، فطلب ما يبقى أكثر من سنة خروج إلى طول الأمل وهو مضاد للزهد) لما سبق أن الزهد عبارة عن قصر الأمل (إلا إذا كان المطلوب خشونته) وفي نسخة: جشوبته أي: غلظه (ثم قد يتبع ذلك قوته ودوامه فمن وجد زيادة من ذلك فينبغي أن يتصدق به فإن أمسكه لم يكن زاهدا بل كان محبا للدنيا) ومحبة الدنيا تخالف صفة الزهد (ولينظر فيه إلى أحوال الأنبياء) - عليهم السلام - (والصحابة) رضوان الله عليهم (كيف تركوا الملابس) وأعرضوا عنها (قال أبو بردة) هانئ بن نيار - رضي الله عنه - (أخرجت لنا عائشة - رضي الله عنها - كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين) رواه الشيخان وتقدم في آداب المعيشة .

(وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يحب المبتذل الذي لا يبالي ما لبس) قال العراقي: لم أجد له أصلا. اهـ .

قلت: وجدت بخط الحافظ السخاوي ما لفظه: هذا عجيب فهو في مسند الفردوس من طريق يعقوب بن عتبة بن المغيرة عن أبي هريرة ولفظه: إن الله - عز وجل - يحب المؤمن المبتذل الذي لا يبالي ما لبس. اهـ .

قلت: ورواه كذلك من هذا الطريق ابن النجار في تاريخه .

(وقال عمرو بن الأسود العنسي) بالنون ويقال الهمداني ويقال له عمير بالتصغير وهو به أشهر وهو والد الحكيم بن عمير يكنى أبا عياض وأبا عبد الرحمن سكن داريا من دمشق وسكن حمص أيضا له روايات عن عمر ومعاذ وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأم حرام بنت ملحان وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، وقال ابن حبان: عمير بن الأسود كان من عباد أهل الشام وكان يقسم على الله فيبره، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن عمرو بن الأسود كان من العلماء الثقات وأنه مات في خلافة معاوية وكان يقول: (لا ألبس مشهورا أبدا) أي: ثوب شهرة (ولا أنام بليل على دثار أبدا ولا أركب على مأثور أبدا) أي: لينا سهلا يقال: وثر الشيء وثارة لان وسهل، فهو وثير وفراش وثير ثخين لين، ووثر مركبه بالتشديد وطأه، ومنه ميثرة السرج بكسر الميم وأصلها الواو والجمع مواثر ومياثر على الأصل ولفظ المفرد (ولا أملأ جوفي من طعام أبدا) رواه أبو نعيم في الحلية، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا مسلم بن سعيد، حدثنا مجاشع بن عمرو بن حسان عيسى بن يونس، حدثنا أبو كريم بن أبي مريم عن يحيى بن جابر الطائي قال: قال عمرو بن الأسود لا ألبس مشهورا أبدا ولا أملأ جوفي من طعام بالنهار أبدا حتى ألقاه (فقال عمر) - رضي الله عنه - : (من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلينظر إلى عمرو بن الأسود) .

رواه أبو نعيم في الحلية من طريق جابر الطائي بالسند المذكور قال: وكان عمر بن الخطاب يقول فذكره، وقال العراقي: رواه أحمد بإسناد جيد عن عمر لكن في الإصابة لتلميذه بسند لين قال وأورده ابن أبي عاصم في الوحدان بهذا الأثر وليس في ذلك ما يقتضي أن له صحبة ولكن يقتضي أن له إدراكا، وقد خرج الطبراني في مسند الشاميين من وجه آخر أن عمر بن الأسود قدم المدينة فرآه عبد الله بن عمر يصلي فقال: من سره أن ينظر إلى أشبه الناس صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلينظر إلى هذا.

(وفي الخبر ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه وإن كان عنده حبيبا) قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث أبي ذر بإسناد جيد دون قوله: وإن كان عنده حبيبا. اهـ .

قلت: وفي رواية لابن ماجه: من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه حتى يضعه وقد رواه ذلك أيضا في المختارة وروى الطبراني من حديث أبي سعيد: من لبس ثوبا مشهورا من الثياب أعرض الله عنه يوم القيامة، ورواه هو وتمام وابن عساكر من حديث أم سلمة بإسناد لين: من لبس ثوبا يباهي به ليراه الناس لم ينظر الله إليه حتى ينزعه. وروى الحارث والطبراني من حديث أنس: من لبس رداء شهرة أو ركب ذا شهرة أعرض الله عنه وإن كان له وليا.

(واشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبا بأربعة دراهم) كذا في القوت، وقال العراقي: [ ص: 353 ] روى أبو يعلى من حديث أبي هريرة قال دخلت يوما السوق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم،الحديث، وإسناده ضعيف .

(وكان قيمة ثوبيه) - صلى الله عليه وسلم - (عشرة) إلى دينار كذا في القوت، وقال العراقي: لم أجده (وكان إزاره) - صلى الله عليه وسلم - (أربعة أذرع ونصفا) ولفظ القوت: وكان طول إزاره أربعة أذرع ونصفا، وفي خبر: سبعة أشبار، وقال العراقي: روى أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية عروة بن الزبير مرسلا: كان رداء النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أذرع وعرضه ذراعان ونصف. الحديث، وفيه ابن لهيعة، وفي طبقات ابن سعد من حديث أبي هريرة وكان له إزار من نسج عمان طوله أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر. وفيه محمد بن عمر الواقدي (واشترى سراويل بثلاثة دراهم) كذا في القوت. وقال العراقي: المعروف أنه اشتراه بأربعة دراهم كما تقدم عند أبي يعلى، وشراؤه للسراويل عند أصحاب السنن من حديث سويد بن قيس إلا أنه لم يذكر فيه مقدار ثمنه. قال الترمذي: صحيح. انتهى. زاد صاحب القوت بعد قوله بثلاثة دراهم وكان كم قميصه إلى أطراف أصابعه، وقيل مرة: إلى الرسغ فإذا تشنج وقلص صار إلى أنصاف ساقيه، وكذلك الإزار إلى عضلة الساق .

(وكان) - صلى الله عليه وسلم - (يلبس شملتين بيضاوين من صوف) ومرة سوداوين من شعر (وكانت تسمى حلة لأنهما ثوبان من جنس واحد) يشير إلى قول أهل اللغة قالوا: الحلة بالضم لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد قال المرزوقي: وكانوا يأتزرون ببرد ويرتدون بآخر ويسميان حلة والجمع حلل مثل غرفة وغرف (وربما كان) - صلى الله عليه وسلم - يلبس (بردين يمانيين أو سحوليين من هذه الغلاظ) من قرية باليمن تسمى سحول وفيهما كفن مع الثالث مثلهما، وربما كانت البردة مخططة بتلوين الأصابع كبرود أهل اليمن اليوم وربما كانتا خضراوين كلهما من خيط واحد وربما كانت شملته بيضاء لا شيمة فيها غير ضبطها الأبيض، كل ذلك في القوت .

وقال العراقي: تقدم في آداب المعيشة وأخلاق النبوة لبسه للشملة والبردة والحبرة وأما لبسه للحلة ففي الصحيحين من حديث البراء: رأيته في حلة حمراء. ولأبي داود من حديث ابن عباس حين خرج إلى الحرورية وعليه أحسن ما يكون وقال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه أحسن ما يكون من حلل اليمن، وقال رأيت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن ما يكون من الحلل، وفي الصحيحين من حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قبض في ثوبين أحدهما إزار غليظ مما يصنع باليمن وتقدم في آداب المعيشة، ولأبي داود والترمذي والنسائي من حديث أبي رمثة وعليه بردان أخضران. سكت عليه أبو داود واستغربه الترمذي وللبزار من حديث قدامة الكلابي: وعليه حلة حبرة، وفيه عريف بن إبراهيم لا يعرف، قاله الذهبي.

(وفي الخبر: كان قميص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قميص زيات) قال العراقي: رواه الترمذي في الشمائل من حديث أنس بسند ضعيف: كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته كان ثوبه ثوب زيات (و) قد (لبس - صلى الله عليه وسلم - يوما واحدا ثوبا سيراء) بكسر السين وفتح التحتية ممدودا ضرب من البرود فيه خطوط صفر (من سندس) فنعل من سدس اسم لما رق من الديباج (قيمته مائتا درهم) فلبسه وخطب فيه (فكان أصحابه يلمسونه) بأيديهم (ويقولون: يا رسول الله أنزل هذا عليك من الجنة تعجبا) من لونه ولينه (وكان قد أهداه له المقوقس) جريج بن ميناء (ملك الإسكندرية فأراد أن يكرمه بلبسه) ويري رسله قبول هديته (ثم نزعه) وقد لبس نحوه من قميص معمد بحرير أهداه إليه النجاشي ملك الحبشة فخطب فيه مرة ثم نزعه حين نزل من المنبر (وأرسل به إلى رجل من المشركين وصله به ثم حرم لباس الحرير والديباج) بعد ذلك (وكان إنما لبسه أولا) ولفظ القوت: فقد يكون لبسه إياه (تأكيدا للتحريم كما لبس خاتما من ذهب يوما) واحدا (ثم نزعه) ورمى به كما في الصحيحين وتقدم (فحرم لبسه على الرجال) ولفظ القوت: وحرم لبس الحرير والذهب على الذكور (وكما قال لعائشة) - رضي الله عنها - (في شأن بريرة) مولاة لقوم من الأنصار وكانت تخدم قبل أن تشتريها (اشترطي لأهلها الولاء) وذلك حين أرادت أن تشتريها [ ص: 354 ] منهم وطلبوا منها أن يكون الولاء لهم فأقرها - صلى الله عليه وسلم - على هذا الشرط أولا (فلما اشترطته) بعد أن اشترتها وأعتقتها (صعد - صلى الله عليه وسلم - المنبر فحرمه) وقال: إنما الولاء لمن أعتق لينوه بذلك، فهذه حكمة من الحكيم وتعليم من العليم وقصة بريرة في الصحيحين .

وقد جمع العز بن جماعة فوائد هذا الحديث في رسالة فزادت على ثلاثمائة ولخصها الحافظ في فتح الباري (وكما أباح المتعة) أي: متعة النساء (ثلاثا) وذلك في غزوة أوطاس (ثم حرمها لتأكيد أمر النكاح) وحديث إباحة المتعة رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع قال صاحب القوت: وقد يحتج بمثل هذا علماء الدنيا ويطرقوا به لأنفسهم ويدعون الناس منه إليهم سرا، ويظهرون الدعوة إلى الله علانية تأولا بمتشابه الحديث، كما تأول أهل الزيغ متشابه القرآن على أهوائهم ابتغاء الفتنة وطلبا للدنيا; لأن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاني كلام الله تعالى منه محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخاص وعام فعدل علماء الدنيا وأهل الأهواء عن الحكم السائر من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله إلى ما ذكرناه ونبذوا الحكم وراءهم ظهريا .

(وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خميصة) وهي كساء أسود مربع (لها علم فلما سلم قال شغلني النظر إلى هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم) بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي - رضي الله عنه - من مسلمة الفتح وكان من معمري قريش ومن مشيختهم (وائتوني بأنبجانيته يعني كساءه) هو في الصحيحين من طريق عروة عن عائشة قالت: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في خميصة لها أعلام فقال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي، وقد تقدم في كتاب الصلاة وذكر الزبير بن بكار من وجه آخر مرسل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بخميصتين سوداوين فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم فصلى في تلك الخميصة وبعث إليه التي لبسها هو ولبس هو التي كانت عند أبي جهم بعد أن لبسها أبو جهم لبسات (فاختار لبس الكساء على الثوب الناعم) كذا في القوت .

قال وفي هذا حجة على من كان إذا أعجبه الشيء واستحسنه كسره وأحرقه وفيه شاهد ومحجة لمن أخرج عن يده ما يستحسنه ويخاف فتنته لحصول الزهد بالإخراج ولانتفاع الغير به، وفيه حجة على من ادعى الزهد بلبس الناعم وإن ذلك لا يضر الزاهد ولا يخرجه عن حقيقة الزهد، وفيه إبطال لمن ادعى أن النظر إلى الزينة لا يشغله وإن الرونق والفتنة لا تدخل عليه، إذ لا يقدر أن يقول إنه غير مقام الرسول، فاعتبروا يا ذوي البصائر والعقول تمويه الراغبين بالزهد مع استعمال الفضول .

(وكان شراك نعله) - صلى الله عليه وسلم - (قد خلق فأبدل بسير جديد فصلى فيه فلما سلم) من الصلاة (قال: أعيدوا الشراك الخلق وانزعوا هذا الشراك الجديد فإني نظرت إليه في الصلاة) تقدم في كتاب الصلاة (ولبس) - صلى الله عليه وسلم - مرة (خاتما ونظر إليه) وهو (على المنبر نظرة فرمى به وقال: شغلني هذا عنكم نظرة إليه ونظرة إليكم) قال: فلا يدرى من أخذه، رواه الشيخان، وقد تقدم، قال صاحب القوت: وقد يحتج بهذا محتج لما كرهناه من إتلاف المال المنظور إليه وليس فيه حجة له; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتلفه إذ لم يرم به في بر ولا بحر ولا مضيعة ولا أفسده وإنما نزعه ورمى به بين المسلمين ووهبه لمن أخذه فجاز ذلك عن وجد الوقت وحده .

(وكان - صلى الله عليه وسلم - قد احتذى مرة نعلين جديدين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا وقال: أعجبني حسنهما فتواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما فدفعهما إلى أول مسكين رآه) وأمر عليا فاحتذى له نعلين سبتيتين قال فرأيته وقد لبسهما يعني جرداوين، وقد تقدم في كتاب الصلاة قال صاحب القوت: وهذا مثل الحديث الآخر في إخراج الخميصة زهدا فيها وإخراج النعل ولم يقطعها فيكون فسادا، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن إضاعة المال إلا أن فيه شاهدا لمن إذا استحسن شيئا خاف المقت عليه إلا أنه لا يبلغ فيه إتلافه فيكون إفسادا، وفيه دليل على دخول التغيير والرد إلى الصفة بالمناظرة الحسنة خلاف من ادعى البراءة من ذلك، وفيه شاهد آخر لمن تطرق بالحسن من الأشياء إلى الله تعالى وشهد الحسن الأعلى بها، وكان المحاسن طريقا له إلى الحسن الجميل; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما قال: أعجبني حسنهما خر ساجدا فكان ذلك اقترابا له من القريب وتقربا منه وتطرقا [ ص: 355 ] إلى الحبيب وقد قال الله تعالى: واسجد واقترب .

(وعن سنان بن سعد) هكذا في سائر النسخ والصواب: سهل بن سعد، كما نبه عليه العراقي وليس في الصحابة من اسمه سنان بن سعد (قال حيكت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبة صوف من صوف أنمار جعلت حاشيتها سوداء، فلما لبسها قال: انظروا ما أحسنها ما ألينها قال: فقام إليه أعرابي فقال: يا رسول الله هبها لي، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سئل شيئا لم يبخل به قال: فدفعها إليه وأمر أن تحاك له واحدة أخرى فمات - صلى الله عليه وسلم - وهي في المحاكة) قال العراقي: رواه أبو داود الطيالسي والطبراني من حديث سهل بن سعد دون قوله: وأمر أن تحاك أخرى. فهي عند الطبراني فقط وفيه زمعة بن صالح ضعيف .

(وعن جابر) - رضي الله عنه - (قال دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة - رضي الله عنها - وهي تطحن بالرحا وعليها كساء من خملة الإبل، فلما نظر إليها بكى وقال: يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لنعيم الأبد فأنزل عليه ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال العراقي: رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق بسند ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه كذلك العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن النجار.

(وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن من خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوما يضحكون جهرا من سعة - رحمة الله - ويبكون سرا من خوف عذابه مؤنتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة يلبسون الخلقان ويتبعون الرهبان أجسامهم في الأرض) وقلوبهم في الآخرة (وأفئدتهم عند العرش) قال صاحب القوت: روينا من حديث عياض بن غنم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وفي رواية أخرى: تفتح عليهم الدنيا فيزهدون في حلالها ويتبلغون باليسير منها ليسوا من الدنيا وليست الدنيا منهم في شيء. رواه أبو نعيم من طريق مكحول عن عياض بن غنم، ورواه هو أيضا من وجه آخر والحاكم وصححه وتعقب والبيهقي في الشعب وضعفه، وابن النجار من حديث ابن سليمان وكانت له صحبة ولفظه: خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوم يضحكون جهرا من سعة رحمة ربهم ويبكون سرا من خوف عذاب ربهم يذكرون ربهم بالغداة والعشي في البيوت الطيبة المساجد ويدعونه بألسنتهم رغبا ورهبا ويسألونه بأيديهم خفضا ورفعا ويقبلون بقلوبهم عودا وبدأ، فمؤنتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة، يدبون في الأرض حفاة على أقدامهم كدبيب النمل بلا مرح ولا بذخ يمشون بالسكينة ويتقربون بالوسيلة يقرءون القرآن ويقربون القربان ويلبسون الخلقان، عليهم من الله شهود حاضرة وعين حافظة، يتوسمون العباد ويتفكرون في البلاد أرواحهم في الدنيا وقلوبهم في الآخرة ليس لهم هم إلا ما أمامهم أعدوا الجهاز لقبورهم والجواز لسبيلهم والاستعداد لمقامهم ثم تلا ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد . قال الذهبي: هذا حديث عجيب منكر. وعياض لا يدرى من هو؟ قال ابن النجار: ذكره أبو موسى المديني في الصحابة. اهـ .

قلت: رواه الحاكم في المستدرك من طريق الوليد بن مسلم عن حمزة بن حماد بن أبي حميد عن مكحول عن عياض بن سليمان، ورواه أبو موسى المديني في الذيل من هذا الوجه لكن وقع عنده حماد عن أبي حميد.

(فهذه كانت سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الملابس وقد أوصى أمته عامة باتباعه إذ قال: من أحبني فليستن بسنتي) رواه أبو يعلى من حديث ابن عباس بلفظ: من أحب فطرتي فليستن بسنتي، وفي رواية بزيادة: وإن من سنتي النكاح، رواه ابن عدي والبيهقي وابن عساكر من حديث أبي هريرة، والبيهقي أيضا والضياء من حديث عبيد الله بن سعد، وقد تقدم في كتاب النكاح .

(وقال) - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية. (و) قد (قال) الله (تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) وقد كان أبو محمد سهل يقول: من علامة حب الله تعالى حب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن علامة حب النبي - صلى الله عليه وسلم - حب السنة، ومن علامة حب السنة بغض الدنيا فإن القوم كانوا زاهدين، وقال مرة: من علامة حب السنة بغض الدنيا ومن علامة بغضها أن لا تأخذ منها إلا زادا أو بلغة وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن أقرب الناس مني مجلسا يوم القيامة من كان على [ ص: 356 ] مثل ما أنا عليه اليوم من الدنيا. فلذلك كان أبو ذر يقول لأصحابه: أنا أحبكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقربكم منه غدا مجلسا قالوا: كيف ذلك؟ قال: لأني اليوم على مثل ما فارقته عليه وكلكم قد غيرتم هذا لزهده .

وكان مالك بن دينار في التابعين بدلا عن أبي ذر في الزهد; لأنه زاد على أصحابه في التزهد والتقشف بلبس الخشن وأكل الخشن وترك الادخار وبذاذة الحال، ولم يكن يغلق بابه إنما كان يشده بشريط وقال: لولا الكلاب لما شددته بشريط، وأما الحسن البصري فإن مالك بن دينار كان يقول: أيها الناس معلمي والله الحسن، به تأدب ومنه تعلم ولم يفارقه حتى مات فهو بدل عنه، والحسن كان بدلا عن صاحب السر حذيفة بن اليمان وكان الإمام أبو محمد سهل لم يكن في عصره مثله فكان بدلا عنهم وخلفا منهم، ثم الله أعلم حيث يجعل رسالاته ولا قوة إلا به .

(وأوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - خاصة وقال) يا عائشة (إذا أردت اللحوق بي فإياك ومجالسة الأغنياء و) أن (لا تنزعي ثوبا حتى ترقعيه) رواه الترمذي وقال غريب والحاكم وصححه من حديث عائشة، وقد تقدم (وعد على قميص عمر) بن الخطاب (- رضي الله عنه - اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم) ، رواه جعفر بن سليمان، حدثنا مالك بن دينار، حدثنا الحسن أن عمر خطب وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة. وروى عفان عن مهدي بن ميمون، حدثنا الجريري عن أبي عثمان قال: رأيت عمر يطوف عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهن من أدم أحمر، وروى أسد بن موسى، حدثنا أبو سفيان عطية، سمعت مالك بن دينار حدثني نافع حدثني ابن عمر أنه رأى عمر يرمي الجمرة عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم.

(واشترى علي - رضي الله عنه - ثوبا بثلاثة دراهم ولبسه وهو في الخلافة وقطع كميه من الرسغين وقال: الحمد لله الذي كساني هذا من رياشه) رواه أبو نعيم في الحلية من طريق أبي سعيد الأزدي وكان إماما من أئمة الأزد قال: رأيت عليا أتى السوق وقال: من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم؟ فقال رجل: عندي فجاء به فأعجبه، فقال: لعله خير من ذاك، قال: لا ذاك ثمنه قال: فرأيت عليا يقرض رباط الدراهم من ثوبه فأعطاه فلبسه، وإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل من أطراف أصابعه (وقال) سفيان (الثوري وغيره: البس من الثياب ما لا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند الجهال) نقله صاحب القوت (وكان) الثوري - رحمه الله تعالى - (يقول: إن الفقير ليمر بي وأنا أصلي فأدعه) أي: أتركه (يجوز) أي: يمر (ويمر بي واحد من أبناء الدنيا وعليه هذه البزة فأمقته ولا أدعه يجوز) نقله صاحب القوت، وتقدم للمصنف عن المؤمل قال: ما رأيت الغني في مجلس قط أذل منه عند الثوري، وقال آخر: كنا إذا جلسنا عند سفيان تمنينا أنا فقراء لما نرى من إقباله عليهم وإعظامه لهم. رواه أبو نعيم في الحلية، وكذلك كان العلماء يقولون في وصف العالم: إنما العالم هو الذي يقوم الفقير من عنده غنيا ويقوم الغني من عنده فقيرا، ولا يستحي الفقير من فقره ويزري الغني بغناه على نفسه .

(وقال بعضهم: قومت ثوبي سفيان ونعليه بدرهم وأربعة دوانق) نقله صاحب القوت قال: فهكذا كان علماء الآخرة الزاهدون في الدنيا فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى الآية (وقال) عبد الله (بن شبرمة) الكوفي قاضيها (خير ثيابي ما خدمني وشرها ما خدمته) نقله صاحب القوت (وقال بعض السلف: البس من الثياب ما يخلطك بالسوقة ولا تلبس منها ما يشهرك فينظر إليك) وبعضهم يقول: شر الثياب ما يرفع الناس رءوسهم فينظرون إلى صاحبها وكانوا يقولون كثرة الثياب على ظهر ابن آدم عقوبة من الله له .

(وقال أبو سليمان الداراني) - رحمه الله تعالى - (الثياب ثلاثة: ثوب لله وهو ما يستر العورة) وتؤدى فيه الفريضة (وثوب للنفس وهو ما يطلب لينه) ونقاؤه (وثوب للناس وهو ما يطلب جوهره وحسنه) وهو شرها ثم قال: وقد يكون الواحد لله تعالى وللنفس، نقله صاحب القوت (وقال بعضهم: من رق ثوبه فقد رق دينه) فإن الثوب الرقيق يحوجه إلى إحضار ثمن كثير، والحلال ضيق فيحتاج أن يمد يده إلى الشبهات بل إلى الحرام المحض وهذا هو رقة الدين، وقد كان بعض العلماء يكره أن يكون على الرجل من الثياب ما يجاوز قيمة أربعين درهما وبعضهم يقول: إلى المائة ويعده سرفا فيما جاوزها (وكان جمهور العلماء) و (من) خيار [ ص: 357 ] (التابعين قيمة ثيابهم ما بين العشرين إلى الثلاثين) درهما وكان المتقدمون من الصحابة أثمان أزرهم اثني عشر درهما وكانوا يلبسون ثوبين قيمة نيف وعشرين إلى الأربعين وكان الأحنف بن قيس يقول: ما كذبت كذبة منذ علمت أن الكذب يضر أهله إلا مرة واحدة فإن عمر بن الخطاب نظر إلى إزاري من العيبة فجسه فوجده ناعما فقال: بكم أخذت هذا ففزعت منه فقلت: بعشرين، قال: كثير فهلا بعشرة وقدمت عشرة لغد ليوم فقرك وفاقتك قال وقد كنت اشتريته بثلاثين وأخفيت عشرة رهبة منه.

(وكان) سليمان (الخواص) - رحمه الله تعالى - أحد زهاد عصره وكان (لا يلبس أكثر من قطعتين) مئزرين أو (قميص ومئزر تحته، وربما يعطف ذيل قميصه على رأسه) أو يحله من وسطه فيغطي به رأسه، أي فكذلك يستحب للفقير وهو حد اللباس من الحاجة نقله صاحب القوت (وقال بعض السلف: أول النسك الزي) حتى يشبه القلب القلب أي: إذا رأيت اثنين زيهما واحد وشمائلهما واحد في اللبسة والآداب فاعلم أن قلب أحدهما على قلب الآخر في المجانسة أو يقاربه في الحال والهمة، وإن كان أحدهما ظاهره ظاهر أبناء الآخرة فإن باطنه باطن أهل الآخرة وقد اتفقا من جهة أو دخلا من باب كذا في القوت .




الخدمات العلمية