الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن من طلب كشف حقائق الأمور من أقاويل الناس رآها مختلفة فلا يستفيد إلا الحيرة ، وأما من انكشف له الحق في نفسه وأدركه بمشاهدة من قلبه لا بتلقف من سمعه فقد وثق بالحق واطلع على قصور من قصر لقصور بصيرته ، وعلى اقتصار من اقتصر من اقتصر مع كمال المعرفة لاقتصار حاجته ، وهؤلاء كلهم اقتصروا لا لقصور في البصيرة لكنهم ذكروا ما ذكروه عند الحاجة فلا جرم ذكروه بقدر الحاجة والحاجات تختلف فلا جرم الكلمات تختلف ، وقد يكون سبب الاقتصار الإخبار عن الحالة الراهنة التي هي مقام العبد في نفسه والأحوال تختلف فلا جرم الأقوال المخبرة عنها تختلف وأما الحق في نفسه .

فلا يكون إلا واحدا ولا يتصور أن يختلف وإنما الجامع من هذه الأقاويل الكامل في نفسه وإن لم يكن فيه تفصيل ما قاله أبو سليمان الداراني إذ قال : سمعنا في الزهد كلاما كثيرا والزهد عندنا ترك كل شيء يشغلك عن الله : عز وجل : وقد فصل مرة وقال : من تزوج أو سافر في طلب المعيشة أو كتب الحديث فقد ركن إلى الدنيا فجعل جميع ذلك ضدا للزهد وقد قرأ أبو سفيان قوله تعالى : إلا من أتى الله بقلب سليم فقال : هو القلب الذي ليس فيه غير الله تعالى وقال إنما زهدوا في الدنيا لتفرغ قلوبهم من همومها للآخرة فهذا بيان انقسام الزهد بالإضافة إلى أصناف المزهود فيه ، فأما بالإضافة إلى أحكامه فينقسم إلى : فرض ونفل وسلامة كما قاله إبراهيم بن أدهم فالفرض هو الزهد في الحرام .

والنفل هو الزهد في الحلال .

والسلامة هو الزهد في الشبهات .

التالي السابق


(فإن من طلب كشف حقائق الأمور من أقاويل الناس رآها مختلفة فلا يستفيد إلا الحيرة، وأما من انكشف له الحق في نفسه وأدركه بمشاهدة من قلبه لا بتلقف من سمعه وثق بالحق واطلع على قصور من قصر لقصور بصيرته، وعلى اقتصار من اقتصر مع كمال المعرفة لاقتصار حاجاته، وهؤلاء كلهم اقتصروا لا لقصور في البصيرة لكنهم ذكروا ما ذكروه عند الحاجة فلا جرم ذكروه بقدر الحاجة والحاجات تختلف فلا جرم الكلمات تختلف، وقد يكون سبب الاقتصار الإخبار عن الحاجة الراهنة التي هي مقام العبد في نفسه والأحوال تختلف فلا جرم [ ص: 346 ] الأقوال المخبرة عنه تختلف وأما الحق في نفسه فلا يكون إلا واحد ولا يتصور أن يختلف) على الصحيح من مذهب الأصوليين (وإنما الجامع من هذه الأقاويل الكامل في نفسه وإن لم يكن فيه تفصيل ما قاله) قارئ أهل الشام الإمام (أبو سليمان) أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الداراني - رحمه الله تعالى - (إذ قال: سمعنا في الزهد كلاما كثيرا والزهد عندنا ترك كل شيء يشغلك عن الله - عز وجل -) .

ولفظ القشيري: قال الداراني: الزهد ترك ما يشغل عن الله تعالى، ولفظ القوت: وكان الداراني أبو سليمان يقول: الدنيا كل ما شغل عن الله، وكان الزهد عنده داوم التفرغ لله بحسن الإقبال عليه، وقال شارح الرسالة: أراد بترك ما يشغل عن الله أي: بقلبه وإلا فهو من ثمرات الزهد فقد يترك الإنسان ما يشغله عن الله لا لزهده بل لشغله بما هو أشرف منه. اهـ .

هذا على سبيل الإجمال (وقد فصل مرة وقال: من تزوج أو سافر في طلب المعيشة أو كتب الحديث فقد ركن إلى الدنيا) ولفظ القوت: من تزوج أو كتب الحديث أو طلب معاشا فقد ركن إلى الدنيا (فجعل جميع ذلك ضدا للزهد) ويقرب من قول الداراني قول داود الطائي: كل ما شغلك عن الله تعالى من أهل أو مال فهو عليك مشئوم .

(وقرأ أبو سليمان) الداراني (قول الله تعالى: إلا من أتى الله بقلب سليم قال: هو القلب الذي ليس فيه غير الله) فهذا زهد الصديقين، وإنما تكون هذه الثلاث دنيا لمن أراد الدنيا لعاجل متعة النفس بها، فأما من أراد بها الآخرة فهي طرقات له إلى الآخرة .

(وقال) مرة (إنما زهدوا في الدنيا لتفرغ قلوبهم عن همومها للآخرة) فإذا رزق العبد فراغ القلب مع وجود هذه الثلاث التي ذكرت كن له قربات إلى المذكور، وقد كان - رحمه الله تعالى - ذا عيال ولم يكن يشغله ذلك عن أوقاته مع الله ولا يدخلون عليه في مقامه فيخرجونه من المقام كذا في القوت .

(فهذا بيان أقسام الزهد بالإضافة إلى أصناف المزهود فيه، فأما بالإضافة إلى أحكامه فينقسم إلى: فرض ونفل وسلامة كما قاله إبراهيم بن أدهم) - رحمه الله تعالى - (فالفرض هو الزهد في الحرام والنفل هو الزهد في الحلال والسلامة هو الزهد في الشبهات) فكأنما جعل الورع زهدا وهو التوسط بين الزهدين زهد عموم بداية وزهد خصوص نهاية .




الخدمات العلمية