الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
واطو الطريق فإنك بالواد المقدس طوى واستمع بسر قلبك لما يوحى فلعلك تجد على النار هدى ولعلك من سرادقات العرش تنادى بما نودي به موسى إني أنا ربك فلما سمع السالك من العلم ذلك استشعر قصور نفسه وأنه مخنث بين التشبيه والتنزيه فاشتعل قلبه نارا من حدة غضبه على نفسه لما رآها بعين النقص ، ولقد كان زيته الذي في مشكاة قلبه يكاد يضيء ولو لم تمسه نار ، فلما نفخ فيه العلم بحدته اشتعل زيته فأصبح نورا على نور فقال له العلم اغتنم الآن هذه الفرصة وافتح بصرك لعلك تجد على النار هدى ففتح بصره فانكشف له القلم الإلهي فإذا هو كما وصفه العلم في التنزيه ما هو من خشب ولا قصب ولا له رأس ولا ذنب وهو يكتب على الدوام في قلوب البشر كلهم أصناف العلوم وكأن له في كل قلب رأسا ولا رأس له . فقضى منه العجب وقال نعم الرفيق العلم فجزاه الله تعالى عني خيرا إذ الآن ظهر لي صدق إنبائه عن أوصاف القلم فإني أراه قلما لا كالأقلام ، فعند هذا ودع العلم وشكره وقال قد طال مقامي عندك ومرادتي لك وأنا عازم على أن أسافر إلى حضرة القلم وأسأله عن شأنه فسافر إليه وقال له ما بالك أيها القلم تخط على الدوام في القلوب من العلوم ما تبعث به الإرادات إلى أشخاص القدر وصرفها إلى المقدورات ؟ فقال أوقد نسيت ما رأيت في عالم الملك والشهادة ، وسمعت من جواب القلم إذ سألته فأحالك على اليد قال لم أنس ذلك .

قال فجوابي مثله جوابه ، قال كيف : وأنت لا تشبهه ، قال القلم : أما سمعت أن الله تعالى خلق آدم على صورته ؟ قال : نعم .

قال ، فسل عن شأني الملقب بيمين الملك فإني في قبضته وهو الذي يرددني وأنا مقهور مسخر فلا فرق بين القلم الإلهي وقلم الآدمي في معنى التسخير وإنما الفرق في ظاهر الصورة .

فقال : فمن يمين الملك ؟ فقال القلم : أما سمعت قوله تعالى : والسماوات مطويات بيمينه قال : نعم ، قال : والأقلام أيضا في قبضة يمينه هو الذي يرددها ، فسافر السالك من عنده إلى اليمين حتى شاهده ورأى من عجائبه ما يزيد على عجائب القلم ولا يجوز وصف شيء من ذلك ولا شرحه بل لا تحوي مجلدات كثيرة عشر عشير وصفه .

التالي السابق


ولنعد إلى شرح كلام المصنف - رحمه الله تعالى - (واطو الطريق) الطي خلاف النشر يقال: طويته طيا فانطوى، وطي الطريق قطع المسافة فيه بسرعة (فإنك في الوادي المقدس طوى) عطف بيان للوادي وهو اسم بقعة بالقرب من جبل الطور (واستمع بسر قلبك لما يوحى) أي: لما يلقى إليك وحيا أو إلهاما أو نفثا في الروع (فلعلك تجد على النار) المتوقدة في شجرة خضراء (هدى) أي: هاديا يدلك على طريق سلوكك إلى مولاك (ولعلك من سرادقات العرش تنادى) بما نودي به موسى - عليه السلام - (إني أنا ربك الأعلى) وذلك من جميع جهاتك وجميع أعضائك .

(فلما سمع السالك من العلم ذلك استشعر قصور نفسه وأنه مخنث بين التشبيه والتنزيه) لم يكمل في أحد المقامين فضلا عن الجمع بينهما (فاشتعل قلبه نارا من حدة غضبه على نفسه لما رآها بعين النقص، ولقد كان زيته في مشكاة قلبه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار، فلما نفخ فيه العلم بحدته) مسته النار (واشتعل زيته فأصبح نورا على نوره) الذي كان فيه (فقال له العلم اغتنم الآن هذه الفرصة وافتح بصرك فلعلك تجد على هذه النار) التي أوقدت في شجرة قلبك (هدى فانفتح بصره وانكشف له القلم الإلهي وإذا هو كما وصفه العلم في التنزيه ما هو من خشب ولا قصب ولا له رأس ولا له ذنب وهو يكتب على الدوام في قلوب البشر كلهم أصناف العلوم) وأنواع المعارف والفهوم (وكأن له في كل قلب رأسا ولا رأس له .

فقضى) السالك (منه العجب قال نعم الرفيق العلم جزاه الله عني خيرا إذ الآن ظهر لي صدق إنبائه) أي: إخباره (عن أوصاف القلم فإني أراه قلما لا كالأقلام، فعند هذا ودع العلم وشكره وقال قد طال مقامي عندك ومرادتي لك) في السؤال والجواب (وأنا عازم) الآن (على أن أسافر إلى حضرة القلم وأسأله عن شأنه فسافر إليه وقال) له (ما بالك تخط على الدوام في القلوب من العلوم) والمعارف (ما تبعث به الإرادات إلى أشخاص القدرة وصرفها إلى المقدورات؟ فقال) له القلم (أوقد نسيت ما رأيت في عالم الملك والشهادة، وسمعت من جواب القلم) الظاهر (إذ سألته فأحالك على اليد) وصدقته على جوابه (قال) السالك (لم أنس) ذلك وفي نسخة قال: لا، والمعنى واحد .

(قال) القلم الباطن (فجوابي مثل جوابه، قال كيف: وأنت لا تشبهه، قال القلم: أما سمعت) بواسطة الرسل (أن الله تعالى خلق آدم على صورته؟ قال: نعم، فسل عن شأني الملقب بيمين الملك فإني في قبضته وهو الذي [ ص: 409 ] يرددني وأنا مقهور ومسخر فلا فرق) إذا (بين القلم الإلهي و) بين (قلم الآدمي في معنى التسخير وإنما الفرق في ظاهر الصورة .

فقال: فمن يمين الملك؟ فقال القلم: أما سمعت قول الله تعالى: والسماوات مطويات بيمينه قال: نعم، قال: والأقلام أيضا في قبضة يمينه هو الذي يرددها، فسافر السالك من عنده إلى اليمين حتى شاهده ورأى من عجائبه ما يزيد على عجائب القلم ولا يجوز وصف شيء من ذلك ولا شرحه بل لا تحوي مجلدات كثيرة عشر عشير وصفه) وإذا جاز وصف شيء منها لم تحتمله العقول لقصورها عن فهمها .




الخدمات العلمية