الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد ذكرنا تفاصيل درجات الورع في كتاب الحلال والحرام وذلك من الزهد ، إذ قيل لمالك بن أنس : ما الزهد ؟ قال : التقوى .

التالي السابق


(وقد ذكرنا تفاصيل درجات الورع في كتاب الحلال والحرام) .

وقال سلام بن أبي مطيع: الزهد على ثلاثة وجوه: واحد: أن يخلص العمل لله والقول فلا يريد بشيء من الدنيا ولا ما عند الخلق، والثاني: ترك ما لا يصلح القلب والدين، والثالث: الحلال أن يزهد في فضله، وهذا تطوع، وقال القشيري: اختلف الناس في الزهد فمنهم من قال: الزهد في الحرام; لأن الحلال مباح من قبل الله تعالى، فإذا أنعم الله على عبد بمال من حلال وتعبده بالشكر عليه فتركه باختياره وبحق لا يقدر على إمساكه بحق إذنه، ومنهم من قال: الزهد في الحرام واجب وفي الحلال فضيلة فإن إقلال المال والعبد صابر في حال راض بما قسم الله له قانع بما يعطيه أتم من توسعه وتبسطه في الدنيا .

ومنهم من قال: إذا أنفق ماله في الطاعة وعلم من حاله الصبر وترك التعرض لما ينهاه الشرع عنه في حال التيسر فحينئذ يكون زهده في المال الحلال أتم منه في الحرام، ومنهم من قال: ينبغي ألا يختار ترك الحلال بتكلفه ولا طلب الفضول فيما يحتاج إليه، ويراعي القسمة، فإن رزقه الله مالا من حلال شكره، وإن وقفه الله على حد الكفاف لم يتكلف في طلب ما هو فضول المال، فالصبر أحسن بصاحب الفقر والشكر أليق بصاحب المال .

وقال صاحب القوت: وكان الشاميون من العلماء يقولون: ليس الزهادة في الدنيا تحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن أن يكون ذمك ومدحك سواء، وتكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وتكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد غيرك، فهذا مقام التوكل وحال الرضا .

(وذلك من الزهد، إذ قيل لمالك بن أنس: ما الزهد؟ قال: التقوى) فأصل التقوى اتقاء الشرك، ثم بعده اتقاء المعاصي والسيئات ثم بعده اتقاء الشبهات ثم يدع بعده الفضلات كذلك. وقال أبو حفص: التقوى في الحلال المحض لا غير، وقال الداراني: الورع أول الزهد، كما أن القناعة طرف الرضا، وقال ابن عطاء: للتقوى ظاهر وباطن فظاهره محافظة الحدود، وباطنه النية والإخلاص .

وكان سهل يقول: أزهد الناس أصفاهم مطعما، وقال أيضا أقصى مقام من الورع أوفى مقام من الزهد وتحقيق ذلك أن الدنيا هي نصيب كل عبد من الهوى [ ص: 347 ] وما دنا من قلبه من الشهوات فمن زهد في نصيبه وملكه من هواه المذموم فهذا هو الزهد المفترض ومن زهد في نصيبه من المباح وهو فضول الحاجات من كل شيء فهذا هو الزهد المفضل يرجع ذلك إلى حظوظ جوارحه التي هي أبواب الدنيا منه وطرقها إليه .

فالزهد في محرماتها زهد المسلمين بحسن إسلامهم والزهد في شبهاتها زهد الوارعين به يكمل إيمانهم، والزهد في حلالها من فضل حاجات النفس زهد الزاهدين به يصفو يقينهم وفي حديث عمرو بن ميمون عن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا زبير أجهد نفسك عند نزول الشهوات والشبهات بالورع الصادق وعن محارم الله وادخل الجنة بغير حساب.




الخدمات العلمية