الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبالجملة : التوكل مقام مفهوم ، ولكن يستدعي قوة القلب ، وقوة اليقين ، ولذلك قال سهل من طعن على التكسب فقد طعن على السنة ومن طعن على ترك التكسب فقد طعن على التوحيد .

التالي السابق


(وبالجملة: التوكل مقام مفهوم، ولكن يستدعي قوة القلب، وقوة اليقين، ولذلك قال سهل) التستري -رحمه الله تعالى- (من طعن على التكسب فقد طعن على التوحيد) ، ولفظ القوت: وقد كان أبو حامد يقول: من أنكر التكسب فقد طعن في السنة، ومن أنكر القعود عن التكسب فقد طعن في التوحيد، وقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الخلق وهم أصناف، كما هم اليوم، منهم التاجر والصانع والقاعد، ومن يسأل، فما قال للتاجر: اترك تجارتك، ولا قال للقاعد اكتسب، ولا نهى السائل عن أن يسأل، بل أمر أن يعطي، ولكن بالإيمان واليقين في جميع أحوالهم وتركهم مع الله في التدبير، فعمل كل واحد بعمله في حاله. انتهى .

وأورده القشيري في الرسالة بعبارتين: الأولى قال سهل: التوكل حال النبي -صلى الله عليه وسلم- والكسب سنته، والثانية: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: قرأت على محمد بن الحسين، قال سهل بن عبد الله: من طعن في الحركة فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان. انتهى .

والمراد بحاله -صلى الله عليه وسلم- في القول الأول أن يكون السابق لقلب العبد في تحصيل مقصوده على الله، وسنته أن يكون السابق لقلب العبد العاجز عن الحال المذكور في تحصيله مقصوده اعتماده على الكسب المعتاد، من حيث إنه سنة الله ورسوله جرت به، كما هو العادة في ربط المسببات بالأسباب مع اعتقاده أن الفاعل هو الله تعالى، وأنه لا فعل للأسباب، والمراد بالحركة في القول الثاني الكسب، والمراد بالكسب في السنة الإنكار بما جرت بذلك، كحفر الخندق، ولبس الدرع، والتحصن، وحمل الزاد في الأسفار، وقد قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الآية، والمراد بالطعن في التوكل أن يقول: إن المقدر يحصل بفعل الله وبفعل غيره، وكونه طعنا [ ص: 487 ] في الإيمان أو التوحيد حيث أشرك معه تعالى في الفعل غيره، قال صاحب القوت: وأخبرني أبو موسى قال: سمعت الحسين بن يحيى يقول: سأل رجل شيخنا ابن سالم: أنحن متعبدون بالكسب أو بالتوكل؟ فقال: التوكل حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والكسب سنته، وإنما سن لهم الكسب لضعفهم حين سقطوا عن درجة التوكل، فأباح لهم طلب المعاش بالمكاسب الذي هو سنته، ولولا ذلك لهلكوا .

وأما ابن عطاء فإنه كان يقول: ليس التوكل لزوم الكسب ولا تركه، إنما التوكل طمأنينة في القلب إلى الله تعالى، وقال أبو يعقوب السوسي: لا تطعنوا على أهل التوكل؛ فإنهم خاصة الله، سكنوا إلى الله، واكتفوا به، واستراحوا من هموم الدنيا والآخرة، وقال: من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان؛ لأنه مقرون به، ومن أحب أهل التوكل فقد أحب الله .




الخدمات العلمية