الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت : فهل من دواء ينتفع به في صرف القلب عن الركون إلى الأسباب الظاهرة وحسن الظن بالله تعالى في تيسير الأسباب الخفية ؟ فأقول : نعم هو أن تعرف أن سوء الظن تلقين الشيطان ، وحسن الظن تلقين الله تعالى ، قال الله تعالى : الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ، فإن الإنسان بطبعه مشغوف بسماع تخويف الشيطان ولذلك قيل الشفيق بسوء الظن مولع ، وإذا انضم إليه الجبن وضعف القلب ومشاهدة المتكلين على الأسباب الظاهرة والباعثين عليها غلب سوء الظن وبطل التوكل بالكلية بل رؤية الرزق من الأسباب الخفية أيضا تبطل التوكل فقد حكي عن عابد أنه عكف في مسجد : ولم يكن له معلوم فقال له الإمام لو اكتسبت : لكان أفضل لك فلم يجبه حتى أعاد عليه ثلاثا ، فقال في الرابعة يهودي في جوار المسجد قد ضمن لي كل يوم رغيفين فقال : إن كان صادقا في ضمانه فعكوفك في المسجد خير لك فقال يا هذا ، لو لم تكن إماما تقف بين يدي الله وبين العباد مع هذا النقص في التوحيد كان خيرا لك إذ فضلت وعد يهودي على ضمان الله تعالى بالرزق وقال إمام المسجد لبعض المصلين من أين تأكل فقال يا شيخ ، اصبر حتى أعيد الصلاة التي صليتها خلفك ، ثم أجيبك .

التالي السابق


(فإن قلت: فهل من دواء ينتفع به في صرف القلب عن الركون إلى الأسباب الظاهرة وحسن الظن بالله في تيسير الأسباب الخفية؟ فأقول: نعم هو أن تعرف أن سوء الظن تلقين الشيطان، وحسن الظن تلقين الله تعالى، قال الله تعالى: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ، فإن الإنسان بطبعه مشغوف بسماع تخويف الشيطان) بما يوسوس إليه، ويلقنه (ولذلك قيل) في الكلمات السائرة (الشفيق بسوء الظن مولع، وإذا انضم إليه الجبن وضعف القلب ومشاهدة المتكلمين على الأسباب الظاهرة والباعثين عليها غلب سوء الظن) بشاهد باطل (وبطل التوكل بالكلية) لنقصان التوحيد، وبطلان الاعتماد والتفويض، (بل رؤية الرزق من الأسباب الخفية أيضا تبطل التوكل) من أصله (فقد حكي عن عابد) من العباد (أنه عكف في مسجد) أي: لازم جلوسه فيه، فلم يخرج أصلا (ولم يكن له معلوم) من رزق يأتيه من جهة معلومة (فقال له الإمام) الذي يصلي بالناس في ذلك المسجد حين رآه معتكفا (لو اكتسبت) أي: خرجت إلى السوق وباشرت الكسب (لكان أفضل لك) من عكوفك هنا (فلم يجبه حتى أعاد عليه ثلاثا، فقال في الرابعة) : هنا (يهودي في جوار المسجد قد ضمن لي كل يوم رغيفين) فهو يأتي إلي بهما، (فقال: إن كان صادقا في ضمانه فعكوفك في المسجد خير لك) ؛ لأجل حصول الاطمئنان (فقال) العابد للإمام (يا هذا، لو لم تكن إماما تقف بين يدي الله وبين العباد مع هذا النقص في التوحيد كان خيرا لك إذ فضلت وعد يهودي على ضمان الله تعالى بالرزق) كذا في القوت .

وأورده ابن عطاء الله في التنوير بلفظ: رأى بعضهم رجلا يلازم المسجد، ولا يخرج منه، فتعجب من ملازمته، وفكر في نفسه أين يأكل؟ فقال له: من أين تأكل؟ فقال له: إن لي صاحبا يهوديا وعدني كل يوم رغيفين، فهو يأتيني بهما، فقال: أما الآن فنعم، فقال له ذلك العابد: يا مسكين وثقت لي بوعد يهودي، وما وثقت لي بوعد الحق سبحانه، وهو الصادق الحق، وقد قال: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها فاستحيا ذلك الرجل وذهب (وقال إمام المسجد لبعض المصلين) الذين يصلون وراءه، وقد رآه في زي غير مكتسب (من أين تأكل) يا فلان، فقال له: (يا شيخ، اصبر حتى أعيد الصلاة التي صليتها خلفك، ثم أجيبك) كذا في القوت، وساقه ابن عطاء الله في التنوير بلفظ: إن رجلا صلى خلف الإمام أياما فقال له الإمام يوما وتعجب من ملازمته وتركه الأسباب: من أين تأكل؟ فقال: قف حتى أعيد صلاتي؛ فإني لا أصلي خلف من شك في قسمة الله تعالى .




الخدمات العلمية