الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولنرجع إلى الغرض ، فإن هذه تلويحات تشير إلى أمور هي أعلى من علوم المعاملة فنقول: ظهر أن الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة باعث الهوى ، وهذه المقاومة من خاصة الآدميين لما وكل بهم من الكرام الكاتبين ولا يكتبان شيئا عن الصبيان والمجانين إذ قد ذكرنا أن الحسنة في الإقبال على الاستفادة منهما ، والسيئة في الإعراض عنهما ، وما للصبيان والمجانين سبيل إلى الاستفادة فلا يتصور منهما إقبال وإعراض وهما لا يكتبان إلا الإقبال والإعراض من القادرين على الإقبال والإعراض ، ولعمري إنه قد تظهر مبادئ إشراق نور الهداية عند سن التمييز وتنمو على التدريج إلى سن البلوغ كما يبدو نور الصبح إلى أن يطلع قرص الشمس ولكنها هداية قاصرة لا ترشد إلى مضار الآخرة بل إلى مضار الدنيا ، فلذلك يضرب على ترك الصلوات ناجزا ولا يعاقب على تركها في الآخرة ولا يكتب عليه من الصحائف ما ينشر في الآخرة بل على القيم العدل والولي البر الشفيق .

إن كان من الأبرار ، وكان على سمت الكرام الكاتبين البررة الأخيار أن يكتب على الصبي سيئته وحسنته على صحيفة قلبه ، فيكتبه عليه بالحفظ ثم ينشره عليه بالتعريف ثم يعذبه عليه بالضرب فكل ولي هذا سمته في حق الصبي فقد ورث أخلاق الملائكة واستعملها في حق الصبي فينال بها درجة القرب من رب العالمين كما نالته الملائكة ، فيكون مع النبيين والمقربين والصديقين وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار إلى إصبعيه الكريمتين صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


(ولنرجع إلى الغرض، فإن هذه تلويحات تشير إلى أمور) من علوم المكاشفة (هي أعلى من علوم المعاملة فنقول قد ظهر أن الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة باعث الهوى، وهذه المقاومة) بين الباعثين (من خاصة الآدميين لما وكل بهم من الكرام الكاتبين) وهما الملكان الموكلان بكل شخص منهم، فيكتبان الآثار ويحفظان الأعمال، (ولا يكتبان شيئا عن الصبيان والمجانين) ، ففي الخبر: رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل (إذ قد ذكرنا أن الحسنة في الإقبال على الاستفادة منهما، والسيئة في الإعراض عنهما، وما للصبيان والمجانين سبيل إلى الاستفادة فلا يتصور منهما إقبال وإعراض وهما لا يكتبان إلا الإقبال والإعراض من القادرين على الإقبال والإعراض، ولعمري قد تظهر مبادئ إشراق نور الهداية عند) بلوغ الصبي (سن التمييز وتنمو على التدريج) شيئا فشيئا (إلى سن البلوغ كما يبدو نور الصبح) في أول ظهوره (إلى أن يطلع قرص الشمس) بارزا للعيون، (ولكنها هداية قاصرة لا ترشد إلى مضار الآخرة بل إلى مضار الدنيا، فلذلك يضرب على ترك الصلوات ناجزا)فروى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث ابن عمر : "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين" الحديث .

(ولا يعاقب في الآخرة ولا يكتب عليه في الصحائف ما ينشر في الآخرة على القيم العدل) إن كان يتيما (والولي البر الشفيق إن كان من الأبرار، وكان على سمت الكرام الكاتبين البررة الأخيار أن يكتب على الصبي سيئته وحسنته على صحيفة قلبه، فيكتبه عليه بالحفظ ثم ينشره عليه بالتعريف ثم يعذبه عليه بالضرب) كما في مضمون الخبر السابق، (فكل ولي هذا سمته في حق الصبي فقد ورث أخلاق الملائكة واستعملها في حق الصبي فينال بها درجة القرب من رب العالمين كما نالته الملائكة، فيكون مع النبيين والمقربين والصديقين) من عباده الصالحين، (وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم كهاتين، وأشار إلى إصبعيه الكريمتين صلى الله عليه وسلم) ، رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث سهل بن سعد بلفظ: "أنا وكافل اليتيم في الجنة" وأشار بالسبابة والوسطى، وقد تقدم، ورواه أيضا الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة، وروى أبو يعلى من حديث عائشة : "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وجمع بين السبابة والوسطى، الحديث، وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه، وروى عبد الرزاق والحكيم والطبراني والبيهقي والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن عساكر من رواية بنت مرة البهزية عن أبيها: "أنا وكافل اليتيم له أو لغيره إذا اتقى الله في الجنة كهاتين"، وأشار بإصبعه المسبحة والوسطى.




الخدمات العلمية