الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذن كل ما ورد في فضل الرجاء ، والبكاء ، وفضل التقوى والورع ، وفضل العلم ، ومذمة الأمن ، فهو دلالة على فضل الخوف ؛ لأن جملة ذلك متعلقة به ، إما تعلق السبب أو تعلق المسبب

.

التالي السابق


(فإذا كل ما ورد في فضل الرجاء، والبكاء، وفضل التقوى والورع، وفضل العلم، ومذمة الأمن، فهو دلالة على فضل الخوف؛ لأن جملة ذلك متعلق به، إما تعلق السبب أو تعلق المسبب) . وهذه عباراتهم في الخوف، قال القشيري في الرسالة: سمعت أبا علي الدقاق يقول: الخوف على مراتب: الخوف، والخشية، والهيبة، فالخوف من شروط الإيمان، وقضيته، قال الله تعالى: وخافون إن كنتم مؤمنين ، والخشية من شرط العلم، قال الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء ، والهيبة من شرط المعرفة، قال الله تعالى: ويحذركم الله نفسه .

وقال أبو القاسم الحكيم: الخوف على ضربين: رهبة، وخشية، فصاحب الرهب يلتجئ إلى الرب إذا خاف ورهب، وهرب- يصح أن يقال هما واحدا، مثل جذب وجبذ- فإذا هرب انجذب في مقتضى هواه، كالرهبان الذين اتبعوا أهواءهم، فإذا كبحهم لجام العلم، وقاموا بحق الشرع، فهو الخشية. وقال أبو حفص: الخوف سراج القلب، به يبصر ما فيه من الخير والشر. سمعت أبا علي الدقاق يقول: الخوف أن لا تعلل نفسك بعسى وسوف. وقال أبو عمرو الدمشقي: الخائف من يخاف نفسه أكثر مما يخاف من الشيطان. وقال ابن الجلاء: الخائف من يأمن المخوفات. وقيل للفضيل: ما لنا لا نرى خائفا؟! فقال: لو كنت خائفا لرأيت الخائفين، إن الخائف لا يراه إلا الخائفون، وإن الثكلى تحب أن ترى الثكلى. وقال شاه الكرماني: علامة الخوف الحزن الدائم. وقال معاذ بن جبل: إن المؤمن لا يطمئن قلبه، ولا يسكن روعه، حتى يخلف جسر جهنم خلفه. وقال بشر الحافي: الخوف ملك لا يسكن إلا في قلب متق .

وقال أبو عثمان الحيري: عيب الخائف في خوفه السكون؛ لأنه أمر خفي. وقال النوري: الخائف هرب من ربه إلى ربه. وقال بعضهم: علامة الخوف التحير على باب الغيب. وقال الجنيد: الخوف توقع العقوبة مع مجاري الأنفاس. وقال أبو سليمان الداراني: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب. وقال أبو عثمان: صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرا وباطنا. وقال ذو النون: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا عن الطريق. وقال حاتم الأصم: لكل شيء زينة، وزينة العبادة الخوف، وعلامة الخوف قصر الأمل. وقال رجل لبشر: أراك تخاف الموت، فقال: القدوم على الله شديد. وقال ابن المبارك: الذي يهيج الخوف حتى يسكن في القلب دوام المراقبة في السر والعلانية. وقيل: الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام. وقيل: الخوف حركة القلب بجلال الرب. وقال الحسين: من خاف من شيء سوى الله أو رجا سواه أغلق عليه أبواب كل شيء، وسلط عليه المخافة، وحجب بسبعين حجابا، أيسره الشك، وإن مما أوجب شدة خوفهم فكرتهم في العواقب وخشية تغير أحوالهم؛ قال الله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون .




الخدمات العلمية