الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا يقبل الهدية إلا ممن كان يهدى إليه قبل ولايته بشرط أن لا يكون له حكومة ) . وهذا المذهب قاله في الفروع ، وغيره . وعليه جماهير الأصحاب . قال في القاعدة الخمسين بعد المائة . : منع الأصحاب من قبول القاضي الهدية . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والوجيز ، والمحرر ، والنظم ، والرعاية الصغرى ، والحاوي ، وغيرهم . وقدمه في الرعاية الكبرى . وقيل : له أن يقبلها ممن كان يهدي إليه قبل ولايته ، ولو كان له حكومة . قلت : وهو بعيد جدا . وقال أبو بكر في التنبيه : لا يقبل الهدية ، وأطلق . وذكر جماعة من الأصحاب : لا يقبل الهدية ممن كان يهدي إليه قبل ولايته إذا أحس أن له حكومة . [ ص: 211 ] وجزم به في المغني ، والشرح ، والرعاية ، وغيرهم . قلت : وهو الصواب . قال في المستوعب : ولا يقبل الهدية إلا من ذي رحم محرم منه . وما هو ببعيد . وقال القاضي في الجامع الصغير : ينبغي أن لا يقبل هدية إلا من صديق ، كان يلاطفه قبل ولايته ، أو ذي رحم محرم منه ، بعد أن لا يكون له خصم . انتهى . وعبارته في المستوعب قريبة من هذه . وذكر في الفصول احتمالا : أن القاضي في غير عمله كالعادة . فوائد

الأولى : حيث قلنا بجواز قبولها ، فردها أولى . بل يستحب . صرح به القاضي وغيره . قال في الفروع : ردها أولى . وقال ابن حمدان : يكره أخذها .

الثانية : لا يحرم على المفتي أخذ الهدية . جزم به في الفروع ، وغيره . وقيل في آداب المفتي ، وأما الهدية : فله قبولها . وقيل : يحرم إذا كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد . قلت : أو يكون له فيه نفع من جاه أو مال فيفتيه لذلك بما لا يفتى به غيره ممن لا ينتفع به كنفع الأول . انتهى . [ ص: 212 ] وقال ابن مفلح في أصوله : وله قبول هدية . والمراد : لا ليفتيه بما يريده ، وإلا حرمت . زاد بعضهم : أو لنفعه بجاهه أو ماله . وفيه نظر . ونقل المروذي لا يقبل هدية إلا أن يكافئ . وقال : لو جعل للمفتي أهل بلد رزقا ليتفرغ لهم : جاز . وقال في الرعاية : هو بعيد . وله أخذ الرزق من بيت المال . وتقدم أن للحاكم طلب الرزق له ولأمنائه وهل يجوز له الأخذ إذا لم يكن له ما يكفيه أم لا ؟ وكذلك المفتي في أوائل " باب القضاء " .

الثالثة : " الرشوة " ما يعطى بعد طلبه ، و " الهدية " الدفع إليه ابتداء . قاله في الترغيب . ذكره عنه في الفروع في " باب حكم الأرضين المغنومة " .

الرابعة : حيث قلنا لا يقبل الهدية ، وخالف وفعل : أخذت منه لبيت المال على قول . لخبر ابن اللتبية . وهو احتمال في المغني ، والشرح . وقيل : ترد إلى صاحبها ، كمقبوض بعقد فاسد . وهو الصحيح . قدمه في المغني ، والشرح . وقيل : لا يملكها إن عجل مكافأتها . وأطلقهن في الفروع . فعلى

الوجه الأول : تؤخذ هدية العامل للصدقات . ذكره القاضي . واقتصر عليه في الفروع ، وقال : فدل على أن في انتقال الملك في الرشوة والهدية : وجهين . قال : ويتوجه . [ ص: 213 ] إنما في الرعاية : أن الساعي يعتد لرب المال بما أهداه إليه . نص عليه . وعنه : لا ، مأخذه ذلك . ونقل مهنا فيمن اشترى من وكيل ، فوهبه شيئا : أنه للموكل . وهذا يدل لكلام القاضي المتقدم . ويتوجه فيه ، في نقل الملك : الخلاف . وجزم به ابن تميم في عامل الزكاة إذا ظهرت خيانته برشوة أو هدية : أخذها الإمام لا أرباب الأموال . وتبعه في الرعاية ، ثم قال : قلت : إن عرفوا رد إليهم . قال الإمام أحمد رحمه الله فيمن ولي شيئا من أمر السلطان : لا أحب له أن يقبل شيئا . يروى " هدايا الأمراء غلول " . والحاكم خاصة : لا أحبه له ، إلا ممن كان له به خلطة ووصلة ومكافأة قبل أن يلي . واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن كسب مالا محرما برضى الدافع ، ثم تاب ، كثمن خمر ومهر بغي ، وحلوان كاهن : أن له ما سلف . وقال أيضا : لا ينتفع به ولا يرده ، لقبضه عوضه ويتصدق به . كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في حامل الخمر . وقال في مال مكتسب من خمر ونحوه : يتصدق به . فإذا تصدق به : فللفقير أكله ، ولولي الأمر أن يعطيه لأعوانه . وقال أيضا فيمن تاب : إن علم صاحبه دفعه إليه ، وإلا دفعه في مصالح المسلمين . وله مع حاجته أخذ كفايته . وقال في الرد على الرافضي في بيع سلاح في فتنة وعنب لخمر : يتصدق بثمنه . [ ص: 214 ] وقال : هو قول محققي الفقهاء . وقال في الفروع : كذا قال . وقوله مع الجماعة أولى . وتقدم ما يقرب من ذلك في " باب الغصب " عند قوله " وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها " .

الخامسة : لا يجوز إعطاء الهدية لمن يشفع عند السلطان ، ونحوه . ذكره القاضي وأومأ إليه . لأنها كالأجرة . والشفاعة من المصالح العامة ، فلا يجوز أخذ الأجرة عليها . وفيه حديث صريح في السنن . ونص الإمام أحمد رحمه الله فيمن عنده وديعة فأداها . فأهديت إليه هدية : أنه لا يقبلها إلا بنية المكافأة . وحكم الهدية عند سائر الأمانات : كحكم الوديعة . قاله في القاعدة الخمسين بعد المائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية