الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( القسم الثالث : تداعيا عينا في يد غيرهما ) . اعلم أنهما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما . فلا يخلو : إما أن يقر بها لهما . أو ينكرهما ، ولم ينازع فيها ، أو يدعيها لنفسه ، أو يقر بها لأحدهما بعينه ، أو يقر بها لأحدهما لا بعينه . فيقول " لا أعلم عينه منهما " . أو يقر بها لغيرهما . فإن أقر بها لهما : فهي لهما . لكل واحد منهما الجزء الذي أقر به . جزم به في الشرح ، وغيره . وإن أقر بها لأحدهما ، وقال " لا أعرف عينه منهما " فتارة يصدقانه . وتارة يكذبانه ، أو أحدهما . فإن صدقاه : لم يحلف وإن كذباه ، أو أحدهما : حلف يمينا واحدة ، ويقرع بينهما . فمن قرع : حلف ، وهي له . هذا المذهب : نص عليه . وهو من مفردات المذهب . [ ص: 394 ] وفيه وجه آخر : أنه لا يحلف . ذكره في القاعدة الأخيرة . قال الزركشي : ولم يتعرض الخرقي لوجوب اليمين على المقر . وكذلك الإمام أحمد رحمه الله ، في رواية ابن منصور . إذا قال " أودعني أحدهما لا أعرفه عينا " أقرع بينهما . وحمله القاضي على ما إذا صدقاه في عدم العلم . فعلى الأول : إن عاد بينه ، فقيل : كتبيينه ابتداء . ونقل الميموني : إن أبى اليمين من قرع : أخذها أيضا .

وقيل لجماعة من الأصحاب : لا يجوز أن يقال : ثبت الحق لأحدهما لا بعينه بإقراره ، وإلا لصحت الشهادة لأحدهما لا بعينه . فقالوا : الشهادة لا تصح لمجهول ولا به . ولهما القرعة بعد تحليفه الواجب وقبله . فإن نكل قدمت . ويحلف للمقروع إن كذبه . فإن نكل أخذ منه بدلها . وإن أقر بها لأحدهما بعينه : حلف وهي له . ويحلف أيضا : المقر للآخر . على الصحيح من المذهب . وقيل : لا يحلف له فعلى المذهب : إن نكل أخذ منه بدلها . وإذا أخذها المقر له ، فأقام الآخر بينة : أخذها منه . قال في الروضة : وللمقر له قيمتها على المقر . وإن أنكرهما ولم ينازع . فقال في الفروع : نقل الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله وجزم به الأكثر يقرع بينهما كإقراره لأحدهما لا بعينه . وقال في الواضح : وحكى أصحابنا : لا يقرع . لأنه لم يثبت لهما حق كشهادة البينة بها لغيرهما . وتقر بيده حتى يظهر ربها . [ ص: 395 ] وكذا في التعليق منعا . أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله ثم تسليما . فعلى الأول : إن أخذها من فرع ، ثم علم أنها للآخر : فقد مضى الحكم . نقله المروذي .

وقدمه في الفروع . وقال في الترغيب في التي بيد ثالث غير منازع ولا بينة كالتي بيديهما . وذكره ابن رزين ، وغيره . وقال في الترغيب : ولو ادعى أحدهما الكل ، والآخر النصف : فكالتي بيديهما . إذ اليد المستحقة للوضع كموضوعة . وفي الترغيب أيضا : لو ادعى كل واحد نصفها ، فصدق أحدهما وكذب الآخر ولم ينازع . فقيل : يسلم إليه . وقيل : يحفظه حاكم . وقيل : يبقى بحاله . ونقل حنبل ، وابن منصور في التي قبلها لمدعي كلها نصفها . ومن قرع في النصف الآخر : حلف وأخذه . قال في القاعدة الأخيرة : وإن قال من هي في يده " ليست لي . ولا أعلم لمن هي ؟ " ففيها ثلاثة أوجه .

أحدها : يقترعان عليها كما لو أقر بها لأحدهما مبهما .

والثاني : تجعل عند أمين الحاكم .

والثالث : تقر في يد من هي في يده .

والأول : ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ، في رواية صالح ، وأبي طالب ، وأبي النضر ، وغيرهم . [ ص: 396 ] والوجهان الأخيران مخرجان من مسألة : من في يده شيء معترف بأنه ليس له ، ولا يعرف مالكه ، فادعاه معين . فهل يدفع إليه ، أم لا ؟ وهل يقر في يد من هو في يده ، أم ينتزعه الحاكم ؟ فيه خلاف . انتهى . وإن ادعاها لنفسه وهو قول المصنف " وإن ادعاها صاحب اليد لنفسه " فقال القاضي : يحلف لكل واحد منهما ، وهي له . وهو المذهب . قدمه في الفروع ، وغيره . وجزم به في المحرر ، والوجيز . وقال أبو بكر : بل يقرع بين المدعين . فتكون لمن تخرج له القرعة . قال الشارح : ينبني على أن البينتين إذا تعارضتا لا تسقطان ، فرجحت إحدى البينتين بالقرعة . فعلى المذهب : إن نكل : أخذها منه وبدلها ، واقترعا عليها . على الصحيح من المذهب . جزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في المحرر ، والحاوي ، والفروع ، وغيرهم . ويحتمل أن يقتسماها كما لو أقر بها لهما ونكل عن اليمين . قال في الوجيز : وإن نكل لزم لهما العين أو عوضها . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله قد يقال : تجزئ يمين واحدة . ويقال : إنما تجب العين يقترعان عليها . ويقال : إذا اقترعا على العين ، فمن قرع : فللآخر أن يدعي عليه بها . ويقال : إن القارع هنا يحلف ثم يأخذها . لأن النكول غايته أنه بذل . والمطلوب ليس له هنا بذل العين . فيجعل كالمقر . فيحلف المقر له . وإن أقر لغيرهما فقد تقدم حكمه مستوف في أثناء " باب طريق الحكم وصفته " [ ص: 397 ] فائدة :

لو لم تكن بيد أحد : فنقل صالح ، وحنبل : هي لأحدهما بقرعة ، كالتي بيد ثالث . وقدمه في الفروع . وذكر جماعة : تقسم بينهما كما لو كانت بيديهما . وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي . وأطلقهما في القاعدة الأخيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية