الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( فإن كان حبس في تهمة ، أو افتيات على القاضي قبله : خلي سبيله ) . [ ص: 218 ] وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني والشرح والوجيز ، وشرح ابن منجا ، وغيرهم . قال المصنف ، والشارح : لأن المقصود بحبسه التأديب . وقد حصل وقال ابن منجا : لأن بقاءه في الحبس ظلم . قلت : في هذا نظر . وقال في المحرر ، وغيره : وإن حبسه تعزيرا أو تهمة : خلاه ، أو بقاه بقدر ما يرى . وكذا قال في الفروع ، وغيره . قلت : وهو الصواب . ولعله مراد من أطلق . وتعليل الشارح يدل عليه . قوله ( فإن لم يحضر له خصم ، وقال : حبست ظلما ، ولا حق علي ، ولا خصم لي : نادى بذلك ثلاثا . فإن حضر له خصم ، وإلا أحلفه وخلى سبيله ) . وكذا قال في الوجيز ، ومنتخب الأدمي ، والنظم ، والحاوي ، وغيرهم وأقره الشارح ، وابن منجا على ذلك . وقال في الهداية ، والمذهب ، والمحرر ، والفروع ، وغيرهم : نودي بذلك ولم يذكروا " ثلاثا " . قلت : يحتمل أن مراد من قيد بالثلاث : أنه يشتهر بذلك ، ويظهر له غريم إن كان ، في الغالب . ومراد من لم يقيد : أنه ينادي عليه حتى يغلب على الظن أنه ليس له غريم . ويحصل ذلك في الغالب في ثلاث . [ ص: 219 ] فيكون المعنى في الحقيقة واحدا . وكلامهم متفق . لكن حكي في الرعايتين القولين . وقدم عدم التقييد بالثلاث . فظاهره : التنافي بينهما . فوائد

الأولى : لو كان خصمه غائبا : أبقاه حتى يبعث إليه . على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع ، والرعايتين . وقيل : يخلي سبيله كما لو جهل مكانه ، أو تأخر بلا عذر . قلت : وهو ضعيف . وقال في الفروع :

والأولى : أن لا يطلقه إلا بكفيل . واختاره في الرعايتين . قلت : وهو عين الصواب . إذا قلنا : يطلق .

الثانية : لو حبس بقيمة كلب ، أو خمر ذمي . فقيل : يخلي سبيله . وقدمه في الرعاية الكبرى . وقال : إن صدقه غريمه . واختاره القاضي ، وغيره . وقدمه الشارح . وهو ظاهر ما قدمه في المغني . وقيل : يبقى . وأطلقهما في الفروع . وقيل : يقف ليصطلحا على شيء . وجزم في الفصول : أنه يرجع إلى رأي الحاكم الجديد . [ ص: 220 ]

الثالثة : إطلاق الحاكم المحبوس من الحبس أو غيره : حكم . جزم به في الرعاية ، والفروع . وكذا أمره بإراقة نبيذ . ذكره في الأحكام السلطانية في المحتسب . وتقدم في " باب الصلح " أن إذنه في ميزاب وبناء وغيره : يمنع الضمان . لأنه كإذن الجميع . ومن منع ، فلأنه ليس له عنده أن يأذن . لا لأن إذنه لا يرفع الخلاف . ولهذا يرجع بإذنه في قضاء دين ونفقة وغير ذلك . ولا يضمن بإذنه في النفقة على لقيط وغيره بلا خلاف ، وإن ضمن له لعدمها . ولهذا إذن الحاكم في أمر مختلف فيه : كاف بلا خلاف . وسبق كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله : أن الحاكم ليس هو الفاسخ . وإنما يأذن له ويحكم له . فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ ، فعقد أو فسخ : لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته ، بلا نزاع لكن لو عقد هو أو فسح فهو فعله . وهل فعله حكم ؟ فيه الخلاف المشهور . انتهى . وقال في الرعاية : وإن ثبت عليه قود لزيد . فأمر بقتله ، ولم يقل " حكمت به " أو أمر رب الدين الثابت أن يأخذه من مال المديون . ولم يقل " حكمت به " احتمل وجهين . وكذا حبسه وإذنه في القتل وأخذ الدين . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية