الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم فيما يجب على من به سلس البول من الطهارة

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما يجب [ على ] من به سلس البول من الطهارة، وروينا عن زيد بن ثابت أنه كان به سلس البول، فكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ ثم صلى.

                                                                                                                                                                              [ ص: 271 ] 57 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن خارجة بن زيد، قال: كبر زيد بن ثابت حتى سلس منه البول، فكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ ثم صلى.

                                                                                                                                                                              وهذا على مذهب يحيى بن أبي كثير، والأوزاعي، وقال الثوري: إذا كان بوله لا يحبس فليضع كيسا أو شيئا يجعله فيه، ثم يتوضأ ويصلي.

                                                                                                                                                                              وقد ثبت أن عمر بن الخطاب لما طعن، صلى وجرحه يثعب دما، وكان الثوري يقول في الدم لا يرقأ: بمنزلة المستحاضة، يتوضأ لكل صلاة.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: والذي به سلس البول يتوضأ لكل صلاة في قول الشافعي وأبي ثور.

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق، وأصحاب الرأي: في الجرح السائل لا ينقطع: يتوضأ لكل صلاة ويصلي. وقد احتج بحديث عمر بعض من رأى أن لا وضوء في الدم يخرج من الجرح والقرح سوى القبل والدبر، قال: صلى عمر وجرحه يثغب دما. وليس في الحديث ذكر الوضوء، فدل على أن لا وضوء على من سال من جرحه دم.

                                                                                                                                                                              واحتج آخر بحديث عمر وقال: في بعض الحديث: إن عمر [ ص: 272 ] توضأ، وقال آخر: ليس في وضوء عمر لهذا حجة؛ لأن عمر أغمي عليه فتوضأ لذلك، ولا اختلاف بين أهل العلم أن الوضوء يجب على من أغمي عليه.

                                                                                                                                                                              وفي الذي به سلس البول قول ثان: قاله مالك، وقد ذكرته قال: أحب إلي أن يتوضأ لكل صلاة إلا أن يكون البرد يؤذيه، فإذا آذاه رجوت أن لا يكون عليه ضيق في ترك الوضوء - إن شاء الله - يكف ذلك عنه بخرقة ويدخل المسجد.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فكان [ معنى ] قول مالك أن حدثه دائم، ولا معنى لوضوئه؛ لدوام ذلك عليه في كل وقت، وهذا يشبه مذهب ربيعة في المستحاضة.

                                                                                                                                                                              وقد حكى ابن وهب عن مالك أنه قال في الذي سلس بوله، وهو يقطر أبدا لا يكاد ينقطع، قال: إذا كان ذلك يغلبه، فليس عليه وضوء إلا إذا عمد البول، فأحب إلي أن يتوضأ إذا عمد إلى [ الصلاة ].

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: لا فرق بين من به سلس البول وبين المستحاضة، والجواب عندي في هذا كالجواب في ذلك .

                                                                                                                                                                              [ ص: 273 ]

                                                                                                                                                                              58 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أن ابن وهب، أخبرهم قال: أخبرني يونس، [ عن ] ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره، عن عمر بن الخطاب، إذ طعن أنه دخل هو وابن عباس، فلما أصبح من الغد أفزعوه بالصلاة فصلى والجرح يثغب دما.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية