الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الوضوء من الكذب والغيبة وأذى المسلم

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: إذا تطهر الرجل فهو على طهارته إلا أن تدل حجة على نقض طهارته.

                                                                                                                                                                              وأجمع كل من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف، وقول [ الزور، و ] الكذب والغيبة لا تنقض طهارة، ولا توجب وضوءا، كذلك مذهب أهل المدينة، وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم، وهذا قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن عباس أنه قيل له: السرقة، والخيانة، والكذب، [ ص: 335 ] والفجور، والنظر إلى ما لا يحل، أيوجب الوضوء؟ قال: لا، الحدث حدثان: حدث من فوق، وحدث من أسفل.

                                                                                                                                                                              133 - حدثنا محمد بن نصر، نا محمد بن عبد العزيز، أنا الشيباني، أنا السكري، عن عبد الكريم، عن مجاهد، قال: قلت لابن عباس: السرقة، والخيانة، والكذب، والفجور، والنظر إلى ما لا يحل، أينقض الوضوء؟ قال: لا، الحدث حدثان: حدث من فوق، وحدث من أسفل .

                                                                                                                                                                              وقال ابن جريج: قلت لعطاء: هل تعلم في شيء من الكلام وضوءا، سباب أو غير؟ فقال: لا. وهذا قول الزهري.

                                                                                                                                                                              وقد استدل بعض أهل العلم في إسقاط الوضوء عمن تكلم بما يعظم من القول، بحديث أبي هريرة.

                                                                                                                                                                              134 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف فقال في حلفه: واللات؛ فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك؛ فليتصدق بشيء .

                                                                                                                                                                              [ ص: 336 ] قال أبو بكر: ولم يجعل على قائله وضوءا.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن غير واحد من المتقدمين [ أنهم ] أمروا بالوضوء من الكلام الخبيث وأذى المسلم، وروينا عن ابن مسعود أنه قال: لأن أتوضأ من كلمة خبيثة أحب إلي من أن أتوضأ من الطعام الطيب.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: الحدث حدثان: حدث اللسان وحدث الفرج، وأشدهما حدث اللسان.

                                                                                                                                                                              135 - حدثنا علي بن الحسن، نا عبد الله، نا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، أن ابن مسعود، قال: "لأن أتوضأ من كلمة خبيثة..." نحو ما تقدم.

                                                                                                                                                                              136 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن عاصم، عن ذكوان، أن عائشة، قالت: "يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب، ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها" .

                                                                                                                                                                              137 - حدثنا محمد بن نصر، نا بندار، نا عبد الرحمن، نا الأسود بن شيبان، عن حاجب، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: "الحدث حدثان: حدث اللسان، وحدث الفرج، وأشدهما حدث اللسان" .

                                                                                                                                                                              [ ص: 337 ] وقيل لعبيدة: مما يعاد الوضوء؟ قال: من الحدث وأذى المسلم.

                                                                                                                                                                              وروينا في هذا الباب غير حديث، قد ذكرناها في غير هذا الموضع، ولا أحسب من أمر بالوضوء من ذلك إلا استحبابا، بين ذلك في ألفاظ حديثهم.

                                                                                                                                                                              [ ذكر ] الوضوء من مس الإبطين والرفغين

                                                                                                                                                                              روينا عن عمر بن الخطاب، وابن عمر أنهما قالا: من مس إبطه عليه الوضوء، ولا يثبت ذلك عن أحد منهما، وعن عكرمة أنه قال: من مس مغابنه فليتوضأ.

                                                                                                                                                                              وعن عروة أنه قال: إذا مس أنثييه أو رفغيه توضأ.

                                                                                                                                                                              138 - حدثنا إسحاق، أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن رجل، أن عمر قال: "من مس إبطيه فليتوضأ" .

                                                                                                                                                                              139 - حدثنا محمد بن علي، نا سعيد، نا خلف بن خليفة، عن ليث، [ ص: 338 ] عن مجاهد، عن ابن عمر، فيمن مس إبطه؟ قال: "عليه الوضوء" .

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن عباس أنه قال فيمن مس إبطه: لا شيء عليه.

                                                                                                                                                                              140 - حدثنا محمد بن علي، نا سعيد، نا خلف بن خليفة، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "إذا مس الرجل إبطه فليس عليه شيء" .

                                                                                                                                                                              141 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن أبي جعفر الرازي، أخبرني يحيى البكاء، قال: رأيت ابن عمر يصلي في إزار ورداء، قال: فرأيته يضع يده على أنفه، ثم يضرب بيده على إبطه، وهو في الصلاة.

                                                                                                                                                                              وهذا قول الحسن والحارث العكلي، وبه قال مالك بن أنس، والليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: حكم مس الإبط، والأرفاغ، وسائر البدن حكم واحد، فلا يجوز إيجاب الوضوء منه إلا بحجة، ولا حجة مع من قال: أن عليه الوضوء.

                                                                                                                                                                              [ ص: 339 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية