الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر البئر تقع فيها النجاسة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في البئر تحل فيها النجاسة، فروينا عن علي أنه أمر بنزحها حتى يغلبهم، وروي ذلك عن ابن الزبير.

                                                                                                                                                                              189 - حدثنا علي بن عبد العزيز، نا حجاج، نا حماد، عن عطاء بن [ ص: 383 ] السائب، عن ميسرة: أن عليا، قال في بئر وقعت فيه فارة، فماتت: "ينزح ماءها" .

                                                                                                                                                                              190 - حدثنا محمد بن نصر، نا يحيى بن يحيى، أنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن ميسرة وأصحاب علي، قالوا: قال علي: "إذا وقعت الفارة في البئر فماتت، فانتزحوها حتى تغلبكم" .

                                                                                                                                                                              191 - حدثنا علي، ثنا أبو عبيد، نا هشيم، أنا منصور بن زاذان، عن عطاء، أن زنجيا مات في زمزم، فأمر ابن الزبير أن ينزح منها حتى يغلبهم الماء.

                                                                                                                                                                              وقال الحسن في الإنسان يموت في البئر: تنزح كلها. وذكر أبو عبيد أن هذا قول سفيان، وعليه أهل الرأي من الكوفيين يرون نزحها، وإن أخرج من ساعته.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: روينا عن عطاء في [ الجرذ ] قال: ينزحون منها [ ص: 384 ] [ عشرين ] دلوا، وإن تفسخت، نزحوا منها أربعين دلوا.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن يستقا منها أربعون دلوا أو نحوه، هكذا قال النخعي في الفارة تقع في البئر.

                                                                                                                                                                              وروينا عن الشعبي أنه قال في الدجاجة تموت في البئر: يستقا منها سبعون دلوا.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عمن بعدهم في هذه المسألة أقوالا مختلفة، سئل الأوزاعي عن ماء معين وجد فيه ميتة، لم يغير الماء، قال: ينزح منها دلاء، ولا يوقت ما ينزح منه، وإن غير ريح الماء أو طعمه، فلا بد من نزحه حتى يصفو، ولا يوقت أبو عمرو ما ينزح منه، وكذلك قال الليث بن سعد: فيها إذا غير ريح الماء، أو طعمه.

                                                                                                                                                                              وقال الثوري في بغل راث في بئر، قال: ينزح منها [ دلاء ] حتى تطيب، قيل له فما صلوا؟ قال: أرجو أن يجزئهم.

                                                                                                                                                                              [ ص: 385 ] وقال النعمان في العصفور والفارة تقع في البئر، فتخرج حين ماتت، قال: يستقا منها عشرون دلوا، أو ثلاثون دلوا، فإن كانت دجاجة أو سنورا، فاستخرجت حين ماتت، فأربعون دلوا، أو خمسون دلوا، وإن كانت شاة فانزحها حتى يغلبك الماء، وإن كان شيء من ذلك قد انتفخ أو تفسخ، فانزحها.

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري في الوزغ يقع في البئر قال: يستقى منها [ دلاء ].

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فأما في قول الشافعي، ومن قال بالقلتين، فالماء الساقط فيه الفارة الميتة، وغير ذلك من النجاسات في بئر كان ذلك أو غيره، إذا كان قلتين، فليس ينجس ذلك الماء إلا بأن تغير النجاسة طعم الماء، أو لونه، أو ريحه، إلا أن أحمد كان يستثني البول والعذرة الرطبة، قيل: لأحمد في الدابة تقع في البئر؟ قال: كل شيء لا يغير ريحه، ولا طعمه، فلا بأس به إلا البول والعذرة الرطبة.

                                                                                                                                                                              قال إسحاق كما قال: والبول والعذرة لا ينجسان إلا ما كان من الماء أقل من القلتين.

                                                                                                                                                                              فأما مذهب من يرى أن قليل الماء وكثيره لا ينجس بحلول النجاسة فيه إلا أن يتغير طعمه، أو لونه أو ريحه، فالبئر وغيرها في ذلك سواء.

                                                                                                                                                                              [ ص: 386 ] والذي نقول به في هذا الباب وفي غيره من أبواب الماء، أن قليل الماء وكثيره لا ينجسه شيء، في نهر كان أو غيره، بأن سقطت فيه نجاسة، إلا أن يغير للماء طعما، أو لونا، أو ريحا، وقد ذكرت الحجة فيه في باب ذكر الماء القليل يخالطه النجاسة.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية