الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثالث: الصيغ التي يشترطها الواقف في وقفه

        أولا: الشروط العشرة في الوقف:

        من جملة الشروط التي قد ترد في عقد الوقف: الشروط العشرة التي كثرت في أوقاف المتأخرين، وأفرد لها المؤلفون هذا العنوان، وهو الشروط العشرة، وهي تذكر في كتب الأوقاف بهذا العنوان.

        وفي كتب الفقه الحنفي في باب الوقف لها بحث مستقل في موضوع الشروط في الوقف، غير أن كتب الفقه من بقية المذاهب لم تخصصها بهذا الاسم، ولم تميزها ببحث مستقل عن سائر الشروط، وإنما تجدها متناثرة في ثنايا الكلام عن الشروط، وقد لا ينص عليها جميعا، وأحيانا يكون الكلام عنها بشيء من الاقتضاب، وهذه الشروط أجازها فقهاء الحنفية رحمهم الله.

        وأما بقية فقهاء المذاهب، فمنهم من وافق الحنفية في البعض وخالفهم في البعض الآخر.

        وهذه الشروط هي:

        1 - الإدخال والإخراج.

        2 - الزيادة والنقصان.

        3 - الإعطاء والحرمان.

        4 - الإبدال والاستبدال.

        5 - التغيير والتبديل. [ ص: 109 ] ويلحق بها التفضيل والتخصيص، وبعض المتأخرين يضعها في العشرة بدل الإبدال والتبديل.

        وإذا ذكر بعض هذه الشروط دون الآخر، فسر الشرط بعمومه، وإذا اجتمعت خصص كل واحد منها في دائرة محدودة.

        وإليك بيان الأحكام الفقهية المتعلقة بالشروط العشر:

        1 – الإدخال والإخراج:

        المراد بالإدخال هنا: جعل من ليس مستحقا في الوقف من ذوي الاستحقاق مستحقا.

        والإخراج: أن يخرج من هو من أصحاب الاستحقاق، فلا يكون مستحقا في الوقف.

        وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذين الشرطين، فالحنفية أجازوا ذلك للواقف، وللناظر إن شرط الواقف له ذلك، ولكنهم قيدوا الواقف في استعمال هذين الشرطين بأنه لا يستعملهما إلا مرة واحدة فقط، إلا أن يذكر الواقف أن له الحق في استعمالهما كلما بدا له ذلك، فأجازوا هنا التكرار في الاستعمال بناء على شرطه.

        جاء في البحر ما نصه: «وإذا شرط الزيادة والنقصان، والإدخال والإخراج كلما بدا له كان ذلك مطلقا له غير محظور عليه، ويستقر الوقف على الحال الذي كان عليها يوم موته، وما شرطه لغيره من ذلك فهو له، ولو شرطه لنفسه ما دام حيا ثم للمتولي من بعده صح، ولو جعله للمتولي ما دام [ ص: 110 ] الواقف حيا ملكاه مدة حياته، فإذا مات الواقف بطل، وليس للمشروط له ذلك أن يجعله لغيره، أو يوصي به له» .

        ويؤخذ من النص السابق أن الواقف لو شرط لنفسه ذلك ولم يستعمل ما شرط ومات، أن الوقف يستقر على الحال الذي كان عليها يوم موته، وكذلك لو شرط للناظر ما دام حيا - أي: الواقف - كان ذلك الشرط للناظر في حياة الواقف، وبعدها لا يملك الناظر استعمال الشرط بناء على القيد الذي أورده الواقف في شرطه.

        وقال المالكية رحمهم الله: بأن شرط الإدخال والإخراج معمول به في المذهب، ونقل الدسوقي رحمه الله بأن في المتيطي ما يفيد المنع ابتداء، ولكن إن وقع مضى.

        وعند الشافعية: أن الشرطين باطلان على الصحيح من المذهب، وفي قول عندهم صحة الوقف وإلغاء الشرط.

        جاء في مغني المحتاج ما نصه: «...أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء بطل على الصحيح...ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغى الشرط» .

        وبهذا قال الغمراوي رحمه الله في شرحه للمنهاج.

        وعند الحنابلة رحمهم الله: لو شرط الواقف أن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم لا يصح الوقف، وأما لو شرط أن يعطي من يشاء من أهل الوقف، ويحرم من شاء منهم جاز عندهم الشرط. [ ص: 111 ] وعللوا الجواز: بأن ذلك ليس بإخراج للموقوف عليه، وإنما علق استحقاق الوقف بصفة، فكأنه جعل له حقا في الوقف، ولم يسلم الحارثي رحمه الله بالفرق في الحالتين، وكأنه يرى البطلان فيهما جميعا.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية