الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 433 ] المبحث الخامس: زكاة غلة أموال الوقف

        إذا كان الوقف أو غلته مالا زكويا، فهل تجب فيه الزكاة؟

        الوقف من حيث مصرفه إما أن يكون على جهة عامة أو قوم غير معينين، وذلك كالوقف على المساجد وعابري السبيل والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ونحو ذلك، أو جهة خاصة، وبناء على هذا اختلف العلماء في حكم زكاة مال الوقف على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: إن كان الوقف على معين كزيد أو أولاد زيد وجبت الزكاة في الغلة، وإن كانت على جهة عامة أو غير معينة بأشخاص لم تجب.

        وبهذا قال الشافعية في الصحيح المشهور من مذهبهم، والحنابلة على الصحيح من المذهب، وبه قال أبو عبيد وغيرهم.

        واحتجوا على ذلك بالآتي:

        1 - عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الغلة، كقوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وقوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده [ ص: 434 ] وقوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض (250) ولما روى البخاري من طريق سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر» .

        وجه الاستدلال: أن الغلة الموقوفة على معين تعد مال زكاة توافرت شروط الوجوب فيه، بخلاف ما لو كان على غير معين، فإن شرط تمام الملك غير موجود; لأن الخارج من الأرض ليس له مالك معين فيخاطب بقوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده ; وذلك أن الوقف إن كان على المساجد ونحو ذلك... إلخ فهذا واضح، وإن كان على الأرامل أو اليتامى أو المساكين... إلخ، فإنه لا يتعين ملكهم إلا بالقبض، وأما الموقوف عليه المعين فإنه مالك، حيث يعرف أن الغلة لا تخرج عن هؤلاء الأشخاص الموقوف عليهم بعينهم.

        2 - أن الوقف إذا كان على معين، فإنه يملك الغلة ملكا تاما يتصرف فيه جميع أنواع التصرف كسائر ما يملك.

        3 - قياسه على مستأجر الأرض بجامع أن كلا منهما يملك الغلة، ولا يملك الأصل، فإذا وجبت على المستأجر فتجب على الموقوف عليه المعين. [ ص: 435 ]

        4 - أن الوقف إنما هو الأصل والغلة طلق ليست محبسة، بل مملوكة للموقوف عليه فلم يمنع الحبس للأصل الزكاة في الغلة.

        5 - وأما إذا كان الموقوف عليه غير معين فلا تجب; لأن الوقف على المساكين مثلا لا يتعين لواحد منهم; بدليل أن كل واحد يحتمل حرمانه ويحتمل إعطاؤه، وإنما يثبت الملك فيه بالدفع، والقبض لما أعطيه من غلته يعد ملكا مستأنفا، فلم تجب فيه الزكاة.

        ثم إن ما أعطيه المسكين من غلة الوقف في هذه الصورة يعد كما لو قبضه من الزكاة، وكما لو وهب له أو اشتراه.

        6 - أنه ملك ناقص كما ذكر ابن رشد; إذ ليس لهذا المال مالك تجب عليه الزكاة.

        7 - قياسا على الوقف على المسجد.

        8 - أن مصرف الوقف هنا هو على المستحقين للزكاة كما في المساكين علما بأن المصرف قد يكون جهة ليست مستحقة للزكاة، ومع هذا فلا تجب الزكاة لكون الملك ناقصا، وهذا يمنع القول بوجوب الزكاة فيها.

        القول الثاني: أن الزكاة تجب في الغلة مطلقا.

        وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية.

        في المدونة: «وقال مالك: تؤدى الزكاة عن الحوائط المحبسة لله، وعن الحوائط المحبسة على قوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم. فقلت لمالك: فرجل [ ص: 436 ] جعل إبلا له في سبيل الله فحبس رقابها، وحمل على نسلها، أتؤخذ منه الصدقة كما تؤخذ من الإبل التي ليست محبسة؟ فقال: نعم فيها الصدقة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية