الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 312 ] المبحث الحادي والعشرون: مصرف فاضل الوقف

        إذا فضل شيء من الوقف كزيته، وحصره، وثمنه، ونحو ذلك، فاختلف العلماء رحمهم الله في مصرفه على أقوال:

        القول الأول: أنه يجوز صرفه في مثله دون الصدقة به، ويجوز صرفه في سائر المصالح.

        وبه قال شيخ الإسلام.

        قال المرداوي: «وعنه - أي: الإمام أحمد - يجوز صرفه في مثله دون الصدقة به، واختاره الشيخ تقي، وقال أيضا: يجوز صرفه في سائر المصالح.

        القول الثاني: أن فاضل الوقف يصرف في جنس ما وقف فيه.

        وبه قال أبو يوسف من الحنفية، وهو مذهب المالكية، وبه قال بعض الشافعية، وبعض الحنابلة.

        إلا أن الشافعية قالوا: إذا لم يمكن صرف للموقوف عليه. [ ص: 313 ] قال الطرابلسي الحنفي: «لو بسط من ماله حصيرا في المسجد فخرب المسجد واستغني عنها... ولو اشترى قنديلا ونحوه للمسجد، واستغني عنه عند أبي يوسف يباع، ويصرف ثمنه في حوائج المسجد، وإن استغنى عنه هذا المسجد يحول إلى مسجد آخر» .

        قال ابن المواق: «وسئل ابن علاق عن حبس على طلاب العلم للغرباء أنه لم يوجد غرباء دفع لغير الغرباء، قال: ويشهد لهذا فتيا سحنون في فضل الزيت على المسجد أنه يؤخذ منه في مسجد آخر، وفتيا ابن دحون في حبس على حصن تغلب عليه يدفع في حصن آخر» .

        وقال الدردير: «من وقف شيئا من الأنعام على الفقراء أو معينين لينتفع بألبانها وأصوافها وأوبارها فنسلها كأصلها في التحبيس، فما فضل من ذكور نسلها عن النزو، وما كبر منها أو من نسلها من الإناث، فإنه يباع ويعوض بدله إناث صغار، تحصيلا لغرض الواقف» .

        وقال ابن حجر الهيثمي - فيما فضل من قيمة بدل الوقف - : «وما فضل من القيمة يشترى به شقص كالأرض...، فإن لم يمكن شراء شقص بالفاضل صرف للموقوف عليه فيما يظهر» .

        وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسجد يبنى فيبقى منه خشبة أو قصبة أو شيء من نقضه، قال: «يعان به في مسجد آخر» ، أو كما قاله.

        [ ص: 314 ] وقال المرداوي فيما فضل من حصر المسجد وزيته: «وعنه: يجوز صرفه في مثله دون الصدقة به» .

        القول الثالث: أنه يجوز صرف فاضل الوقف في مثله، والصدقة به على المساكين.

        وهو المذهب عند الحنابلة.

        قال ابن قدامة: «وما فضل من حصر المسجد، وزيته، ولم يحتج إليه جاز أن يجعل في مسجد آخر، أو يتصدق من ذلك على فقراء جيرانه وغيرهم» .

        القول الرابع: أنه يجب حفظ فاضل الوقف حتى يحتاج إليه فيما وقف فيه.

        وهذا قول كثير من الحنفية، وبه قال الشافعية.

        قال المرغيناني: «وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف.

        إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيهما» .

        وقال ابن مودود: «وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرف في عمارته مثل الآجر والخشب والقار والأحجار ليبقى على التأبيد، فإن استغني عنه حبس لوقت حاجته» . [ ص: 315 ] القول الخامس: أن فاضل الوقف يرجع إلى ملك الواقف.

        وهذا قول محمد بن الحسن من الحنفية.

        قال الطرابلسي: «لو بسط من ماله حصيرا في المسجد فخرب المسجد واستغني عنها، فإنها تكون له - إن كان حيا - ولورثته - إن كان ميتا - عند محمد رحمه الله... وهكذا الحكم لو اشترى قنديلا ونحوه للمسجد واستغني عنه» وقال الزيلعي: «حصير المسجد وحشيشه إذا استغني عنهما يرجع إلى مالكه عند محمد» .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية