الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 127 ] المطلب الثاني: مصرف الوقف المطلق

        تقدم صحة الوقف المطلق، وقد اختلف العلماء في مصرفه على أقوال:

        القول الأول: أنه يصرف في وجوه الخير والبر.

        وهو قول في مذهب المالكية، ووجه في مذهب الشافعية، ووجه في مذهب الحنابلة.

        القول الثاني: أنه إذا تعذر سؤال المحبس، صرف فيما يقصد بالتحبيس غالبا في عرفهم، كأهل العلم والقراءة، فإن لم يكن غالب بأن لم يكن لهم أوقاف، أو كان ولا غالب فيها، صرف للفقراء بالاجتهاد.

        وهذا مذهب المالكية.

        القول الثالث: أن يصرف إلى الفقراء.

        وهو مذهب الحنفية، وهو قول الإمام مالك، ووجه في مذهب الشافعية.

        [ ص: 128 ] القول الرابع: أن يصرف إلى أقرب الناس من الواقف، كما في المنقطع الآخر، كما سيأتي.

        وبه قال الشافعية، والحنابلة في المذهب.

        الأدلة:

        دليل القول الأول: (يصرف في وجوه الخير والبر) :

        استدلوا بقوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم فدلت الآية على أن مصرف الصدقة وجوه البر، ومن ذلك الوقف المطلق.

        أدلة القول الثاني: (سؤال المحبس...) :

        استدل لهذا القول بما يلي:

        1 - أنه إذا لم يمكن سؤال المحبس صرف لغالب ما يقصد به التحبيس في عرفه; للقاعدة: أن (المعروف عرفا كالمشروط شرطا.

        2 - أنه إذا لم يكن الصرف إلى الغالب صرف للفقراء; لأن الغالب صرف الأوقاف إليهم، كما سيأتي في أدلة القول الثالث.

        أدلة القول الثالث: (أنه يصرف للفقراء والمساكين) :

        استدل لهذا القول بما يلي:

        [ ص: 129 ] 1 - قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم فدلت الآية على أن مصرف الصدقات في الجملة الفقراء والمساكين، ومن ذلك الوقف المطلق.

        2 - القياس على النذر المطلق، فمن نذر صدقة مطلقة، صرفت للفقراء والمساكين، والوقف صدقة جارية ، فإذا أطلقه الواقف فلم يذكر سبيله صرف إليهم.

        3 - القياس على الكفارات، فإن مصرفها الفقراء والمساكين...، فكذا الوقف المطلق.

        4 - القياس على الوصية، فإن من أوصى بإخراج ثلث ماله ولم يذكر في أي الجهات صرف إلى الفقراء والمساكين، فكذلك إذا وقف وقفا مطلقا صرف إلى الفقراء والمساكين.

        ونوقشت هذه الأدلة: بالتسليم، لكن قد توجد جهة أصلح من جهة الفقراء والمساكين.

        أدلة القول الرابع: (يصرف إلى أقرب الناس) :

        استدل لهذا القول: بالأدلة التي استدل بها من قال: بأن الوقف المنقطع الآخر يصرف إلى أقارب الواقف; إذ الوقف المطلق إذا لم يذكر مصرفه كالوقف منقطع الآخر، وتأتي مناقشته.

        الترجيح:

        كل قول من هذه الأقوال له وجه من القوة، ويمكن الجمع بينها بأن [ ص: 130 ] يقال: إن ظهر قصد الواقف اتبع; مراعاة لشرطه، ولئلا يفوت غرضه، وإلا صرف في المصالح العامة، ومن المصالح العامة الفقراء من أقارب الواقف; لما استدلوا به، والله أعلم.

        [ ص: 131 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية