الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        فرع:

        الحنابلة يقيدون حق الواقف في الإدخال والإخراج بالنسبة للموقوف عليهم فقط دون غيرهم، وعلى هذا فلا حق له في إدخال غير الموقوف عليهم في الوقف.

        ففي غاية المنتهى: «ولا يصح الوقف إن شرط فيه إدخال من شاء من غيرهم - أي: من أهل الوقف - وإخراج من شاء منهم; لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف، فأفسده» .

        واختلفوا في حق الإدخال والإخراج هل هو حق مطلق؟ أي: يدخل من يشاء منهم ويخرج من يشاء، أم أن ذلك مرتب على تحقق وصف مشترط في الموقوف عليه؟ على رأيين:

        الرأي الأول: أن حق الواقف في الإدخال والإخراج يجب أن يكون مرتبا على وصف مشترط، ولو جعله مطلقا لم يصح; لأنه شرط ينافي مقتضى العقد فأفسده، كما لو شرط أن لا ينتفع به.

        قال الحارثي: فرق المصنف - ابن قدامة - بين المسألتين، والفرق لا يتجه.

        ففي الكافي: «وتصرف الغلة على ما شرط الواقف: من التسوية [ ص: 112 ] والتفضيل، والتقديم والتأخير، والجمع والترتيب، وإدخال من أدخله بصفة، وإخراج من أخرجه بصفة» .

        الرأي الثاني: أن حق الواقف في الإدخال والإخراج حق مطلق، فيرجع إلى شرطه في إخراج من شاء من أهل الوقف مطلقا أو بصفة، كإخراج من تزوجت من البنات ونحوه، وإدخال من شاء منهم - أي: من أهل الوقف - مطلقا، كوقفت على أولادي أخرج من أشاء منهم وأدخل من أشاء، أو بصفة كصفة فقر أو اشتغال بعلم; لأنه ليس بإخراج للموقوف عليه في الوقف، وإنما علق الاستحقاق بصفة، فكأنه جعل له حقا في الوقف إذا اتصف بإرادته أعطاه، ولم يجعل له حقا: إذا اتفقت تلك الصفة فيه، وليس هو تعليقا للوقف بصفة، بل هو وقف مطلق، والاستحقاق له صفة.

        قال ابن قدامة: «وتصرف الغلة على ما شرط الواقف: من التسوية والتفضيل، والتقديم والتأخير، والجمع والترتيب، وإدخال من أدخله بصفة، وإخراج من أخرجه بصفة» .

        ملاحظة: يستثنى من ذلك الوقف على الأولاد، فإذا كان الإدخال والإخراج يؤدي إلى عدم العدل بين الأولاد فلا يجوز، كما سيأتي في الوقف على الأولاد.

        2 - الزيادة والنقصان:

        المراد منهما تغيير مقادير الأنصبة للمستحقين، بزيادة أنصبة بعض المستحقين ونقص أنصبة البعض، بشرط ألا يؤدي ذلك التغيير إلى حرمان أحد من ذوي الاستحقاق، فالمستحق في الوقف مثلا أربعة قراريط والآخر [ ص: 113 ] ثلاثة قراريط، فللواقف أو الناظر أن يجعل للأول ثلاثة قراريط وللثاني أربعة قراريط بناء على الشرط الوارد في عقد الوقف، وإن غير من شرط له التغيير في مقادير الأنصبة زيادة ونقصا مرة واحدة لا يملك التكرار إلا إن ورد الشرط بذلك.

        جاء في البحر ما نصه: «وإذا شرط الزيادة والنقصان...كلما بدا له كان ذلك مطلقا له غير محظور عليه» .

        ومن زاده الواقف أو الناظر - بشرط من الواقف - على ما جعل له فله أن ينقصه بعد ذلك، ومن نقصه فله أن يزيده بعد ذلك.

        ويلاحظ في هذا ما لوحظ في الإدخال والإخراج.

        3 - الإعطاء والحرمان:

        المراد بالإعطاء: جعل ريع الوقف كله أو بعضه لبعض الموقوف عليهم مدة معينة، أو دائما.

        والحرمان: منع الغلة عن بعض المستحقين مدة معينة، أو دائما.

        وليس لغير الواقف الحق في استعمال هذا الشرط، إلا إذا شرط له.

        والظاهر: أن اشتراط الإعطاء والحرمان مثل اشتراط الإدخال والإخراج في الحكم، فالقول بجوازه مشروط بأن لا يؤدي إلى الإخلال بأي شرط من شروط صحة أصل الوقف.

        ولذا نرى الحنفية يمنعونه، بل يبطلون الوقف بسببه إذا أدى إلى صرف غلته كلها في غير جهة القربة، كمن وقف على أولاده وشرط أن يعطي من [ ص: 114 ] يشاء منهم، ويحرم من يشاء، ثم أعطى الغلة كلها للأغنياء، ففي هذه الصورة يبطل الوقف عندهم.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية