الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        أدلة القول الرابع: (تبقى في ملكية الواقف تبيح له التصرف فيه) : استدلوا بالأدلة التالية:

        [ ص: 18 ] 1 - ما رواه الطحاوي من طريق زياد بن سعد، عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها» .

        [منقطع]وجه الاستدلال: أن قول عمر رضي الله عنه هذا يدل على أن نفس الإيقاف للأرض لم يكن يمنعه من الرجوع فيها، وأنه إنما منعه من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فيها بشيء وفارقه على الوفاء به، فكره أن يرجع عن ذلك، وهذا يدل على جواز الرجوع في الوقف.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أنه منقطع; لأن ابن شهاب لم يدرك عمر.

        الوجه الثاني: أنه يبعد جدا أن يكون عمر رضي الله عنه ندم على قبول أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اختاره له في تحبيس أرضه، وتسبيل ثمرتها، كيف وهو الذي جاء يستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرها، والله - سبحانه وتعالى - يقول: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، فحاشا لعمر رضي الله عنه أن يوصف بهذا.

        2 - ما رواه عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله حائطي هذا صدقة، وهو إلى الله ورسوله، فجاء أبواه فقالا: [ ص: 19 ] يا رسول الله ، كان قوام عيشنا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما، ثم ماتا، فورثهما ابنهما بعد» .

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أنه ضعيف كما في تخريجه.

        الوجه الثاني: بأنه ليس فيه ذكر الوقف، والظاهر أنه جعله صدقة غير موقوفة استناب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما، ولهذا لم يردها عليه وإنما دفعها إليهما، كما أنه يحتمل أن الحائط كان لهما، وكان هو المتصرف فيه بحكم النيابة عنهما، فتصرف هذا التصرف بغير إذنهما فلم ينفذاه، وأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرده إليهما.

        3 - وبالإضافة إلى ذلك قالوا: إن العين الموقوفة كانت مملوكة قبل الوقف، وبقيت بعده مملوكة، والمملوك بغير مالك لا يكون، فمن ضرورة بقائها مملوكة أن يكون هو المالك، أو غيره، ولم تصر مملوكة لغيره، فكانت باقية على ملكه، والوارث يخلف المورث في ملكه.

        قالوا: وبيان قولنا: إنها بقيت مملوكة أنه ينتفع بها على وجه الانتفاع بالمملوكات من حيث السكنى والزراعة وسائر وجوه الانتفاعات، ولأنها خلقت مملوكة في الأصل، فلا يتصور إخراجها عن أن تكون مملوكة إلا أن يجعلها الله تعالى خالصا، وبالوقف لا يتحقق ذلك.

        ونوقش من وجوه:

        الأول: قولهم: «من الضرورة أن تبقى بعد الوقف مملوكة للواقف أو غيره» : يصادمه وقف المسجد; لأن الجميع يتفقون على أنه لا مالك له فأي [ ص: 20 ] ضرورة تلك، وما المانع أن تكون ملكية الأوقاف حكمها واحد مساجد أو غيرها.

        الثاني: قولهم: «إنها مملوكة; لأنه ينتفع بها على وجه الانتفاع بالمملوكات من حيث السكنى والزراعة ونحوها» : أن هذا الانتفاع كالانتفاع بالمساجد; وذلك أن المساجد ورد الشرع بالانتفاع بها في وجه مخصوص، وكذلك الأوقاف ينتفع بها على الوجه الذي خصه الواقف، فلو كانت العين الموقوفة مدرسة لم يجز الانتفاع بها في غير ما وقفت فيه، ولا ينتفع بها الموقوف عليه كما ينتفع بأملاكه.

        الثالث: قولهم: «لا يتصور إخراجها عن أن تكون مملوكة، إلا أن يجعلها الله تعالى خالصا» : أن الأصل في كل ما شرع التقرب فيه لله تعالى أن يكون خالصا لله تعالى، ومن جملة المشروعات الأوقاف.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية