الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثانية: مقدار أجرة ناظر الوقف:

        وفيها أمران:

        الأمر الأول: مقدار أجرة الناظر إذا شرطها الواقف في وقفه:

        إذا شرط الواقف أجرة للناظر وبين مقدارها فهل يستحقها؟ اتفق [ ص: 403 ] أصحاب المذاهب الأربعة في الجملة على استحقاق جميع الأجرة التي شرطها له الواقف، سواء أكانت بقدر أجرة المثل، أم أقل، أم أكثر.

        فقد قال بذلك الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

        لكن اشترط الشافعية أن لا يكون الناظر هو الواقف.

        وعند الحنابلة: إذا كانت أكثر من أجرة المثل يشترط أن يكون الواقف قد اشترطها له خالصا، فإن لم يشترطها له خالصا صرف ما زاد على أجرة المثل على عمال الوقف وأمانه.

        والدليل على ذلك:

        1 - الأدلة الدالة على وجوب العمل بشرط الواقف، وأن الأصل في شروط الواقفين الحل والصحة.

        2 - أنه لما جاز أن يقدر للناظر مالا معلوما يأخذه في كل سنة أو في كل شهر من غلة الوقف، من غير أن يشترط عليه القيام بأمر الوقف; جاز له أن يقدر له ذلك مع تكليفه بالقيام بالوقف من باب أولى.

        الأمر الثاني: مقدار أجرة الناظر إذا أهملها الواقف:

        إذا لم يشترط الواقف مقدارا معينا أجرة للناظر على نظارته، بل أهمله، فما مقدار الأجرة التي يستحقها مقابل ذلك؟.

        [ ص: 404 ] اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:

        القول الأول: أجرة المثل.

        وبه قال الحنفية، والمالكية، وقياس المذهب عند الحنابلة وقول عند الشافعية.

        القول الثاني: الأقل من أجرة المثل أو مقدار الكفاية.

        وهو قول الشافعية، وتخريج عند الحنابلة.

        القول الثالث: قدر الكفاية.

        وهو قول للشافعية واختاره الرافعي.

        القول الرابع: أن للناظر عشر الغلة.

        وبهذا قال بعض الحنفية.

        الأدلة:

        دليل القول الأول: (أجرة المثل) :

        أن أجرة المثل هي المعهودة والمتعارف عليها، فيجب المصير إليها كأن الواقف شرطها في وقفه; لأن المعهود كالمشروط. [ ص: 405 ] أدلة القول الثاني: (للناظر الأقل من أجرة المثل، أو نفقة المعروف) :

        استدل لهذا القول بما يلي:

        1 - قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف وجه الدلالة: أن الله عز وجل أباح لولي اليتيم أن يأكل بالمعروف، فدل على اعتبار النفقة، والناظر كولي اليتيم.

        2 - أن إعطاء الناظر الأقل من أجرة المثل أو نفقته بالمعروف أحوط للوقف، فيجب الأخذ مراعاة للوقف.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن مراعاة جانب الوقف إنما يجب اعتبارها إذا لم يكن على حساب الآخرين; لأنه إذا كان يجب دفع الضرر عن الوقف، فكذلك يجب دفع الضرر عن غيره أيضا; لأن «الضرر لا يزال بالضرر» .

        ودليل القول الثالث: (الكفاية) :

        أن الكفاية معتبرة في النفقات وغيرها.

        دليل القول الرابع: (للناظر عشر الغلة) :

        لم أقف له على دليل، ولذا حمله ابن عابدين على أجرة المثل.

        حيث جاء في حاشية رد المحتار: «وعبر بعضهم بالعشر، والصواب: أن المراد بالعشر أجر المثل، حتى لو زاد على أجرة مثله رد الزائد كما هو مقرر معلوم» .

        وقال ابن نجيم: «قد تمسك بعض من لا خبرة له بقول قاضيخان (وجعله [ ص: 406 ] له عشر الغلة في الوقف) على أن للقاضي أن يجعل للمتولي عشر الغلات مع قطع النظر عن أجرة المثل» .

        ومما يدل على ضعف هذا القول أن بعض الأوقاف قليلة الغلة، والنظارة عليها شاقة، والعكس بالعكس.

        الترجيح:

        الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول بأن للناظر أجرة المثل إذا أهملها الواقف; لقوة ما استدلوا به، ولأن في ذلك تحقيقا للعدالة بعدم إعطاء الناظر أقل مما يستحق، وعدم الأخذ من غلة الوقف أكثر مما يجب.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية