الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الترجيح:

        يترجح - والله أعلم - القول الأول; لقوة دليله، وضعف القول الثاني بمناقشته.

        الفرع الثاني: أن يكون زوال البكارة بوطء محرم.

        اختلف العلماء رحمهم الله في الوطء المحرم هل تكون به المرأة في حكم الثيب؟ على قولين:

        القول الأول: إن كان الوطء محرما مع رضا فهي في حكم الثيب، وإن كان محرما مع إكراه فهي في حكم البكر.

        وبه قال بعض الحنابلة.

        وحجته: أن علة زيادة البكر الحياء، كما دلت على ذلك السنة، وهو باق فيمن زالت بكارتها بالزنى مع الإكراه، دون من زالت بكارتها بالزنى مع الرضا.

        [ ص: 284 ] القول الثاني: أنه لا فرق بين الوطء الحلال والحرام فهي في حكم الثيب.

        وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.

        وحجته:

        (237) 1 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق خالد، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه - ولو شئت أن أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم - ولكن قال: «السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا» .

        والموطوءة بزنى مطلقا ثيب لغة وشرعا.

        ويمكن أن يناقش: بأنه لا يسلم فيمن وطئت بزنى بإكراه لوجود علة التفضيل وهي الحياء، فليس المناط بقاء البكارة، أو زوالها، ولهذا من زالت بكارتها بغير وطء في حكم البكر.

        2 - أنه لو وصى لثيب النساء دخلت في الوصية الموطوءة بزنى، ولو وصى للأبكار لم تدخل.

        ويمكن أن يناقش: بأنه استدلال في محل النزاع.

        3 - أنه لو اشترطها في التزويج أو الشراء بكرا، فوجدها مصابة بالزنى ملك الفسخ.

        ويمكن أن يناقش: بوجود الفرق، فوجود البكارة في البيع والزواج أمر مقصود للزوج.

        4 - أنها موطوءة في القبل أشبهت الموطوءة بشبهة. [ ص: 285 ] ويمكن أن يناقش: أنه لا يسلم أن الموطوءة بشبهة في حكم الثيب; لبقاء علة التفضيل وهي الحياء.

        القول الثالث: أن الموطوءة بزنى في حكم البكر.

        وهو مذهب الحنفية) ، والمالكية.

        وحجته:

        (238) ما رواه مسلم من طريق ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ذكوان مولى عائشة: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم تستأمر» ، فقالت عائشة: فقلت له: فإنها تستحيي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فذلك إذنها إذا هي سكتت» .

        وجه الدلالة: دل هذا الحديث أن الحياء في البكر علة وضع النطق; لأن قوله: «إذنها إذا هي سكتت» خرج جوابا لقول عائشة: «تستحيي» أي: عن الإذن بالنكاح نطقا، والجواب يقتضي إعادة السؤال; لأن الجواب لا يتم بدون السؤال، كأنه قال: إذا كانت البكر تستحي عن الإذن بالنكاح نطقا، فإذنها صمتها.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أن التعليل بالحياء لا يصح، فإنه أمر خفي لا يمكن [ ص: 286 ] اعتباره بنفسه، وإنما يعتبر بمظنته وهي البكارة، ثم هذا التعليل يفضي إلى إبطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه.

        ورد: بأن إبطال التعليل بالحياء غير مسلم; لورود الحديث به، والقول بأنه يؤدي إلى إبطال الحديث غير مسلم.

        وقيام الصمت مقام الإذن علة منصوصة، وعلة النص لا تتقيد بمحل النص كالطواف في الهرة ونحو ذلك، وإذا كان كذلك فالحياء موجود فيمن زالت بكارتها بالزنى; لأنها لم تباشر الإذن بالنكاح.

        الوجه الثاني: أن هذا مسلم فيما إذا كان الزنى عن إكراه، أما إذا كان عن رضا فقد جربت الرجال وزال حياؤها.

        الترجيح:

        يترجح - والله أعلم - ما ذهب إليه أهل القول الأول; إذ فيه الجمع بين الأدلة.

        الفرع الثالث: أن يكون الوطء بشبهة، وذلك بأن يطأ امرأة يظنها زوجته فتتبين غير زوجته.

        اختلف العلماء في ذلك على قولين:

        القول الأول: أنها في حكم البكر.

        وهو ظاهر قول المالكية.

        وحجة هذا القول: ما تقدم من أنه زيد في قسم البكر لعلة الحياء، وهذا موجود فيمن وطئت بشبهة. [ ص: 287 ] القول الثاني: أنها في حكم الثيب.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        وحجة هذا القول: ما تقدم من أن الموطوءة ثيب لغة وشرعا.

        وتقدم الجواب عنه.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول; لبقاء علة الحكم في حقها.

        الأمر الثاني: اختصاصه بالرجال دون النساء:

        اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيما إذا وقف على الثيب أو الأبكار هل خاص بالنساء أو شامل للرجال والنساء على قولين:

        القول الأول: أنه خاص بالنساء.

        وهذا هو الأصح عند الشافعية.

        وحجته: دلالة العرف.

        القول الثاني: أنه شامل للرجال وللنساء.

        وبه قال بعض الشافعية، وهو قول الحنابلة.

        وحجته: دلالة اللغة.

        [ ص: 288 ] قال ابن الجوزي: يقال في اللغة: «رجل أيم، وامرأة أيم، ورجل بكر، وامرأة بكر إذا لم يتزوجا، ورجل ثيب، وامرأة ثيبة إذا كانا قد تزوجا» .

        والأقرب: الرجوع إلى العرف، فإن لم يكن فإلى اللغة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية