الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (أربعون دارا) :

        (239) 1 - ما رواه أبو يعلى من طريق عبد السلام بن أبي الجنوب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حق الجوار أربعون دارا هكذا هكذا وهكذا، يمينا وشمالا، وقداما وخلفا» .

        [ ص: 300 ] وجه الاستدلال: أنه هذا الحديث نص على أن حد الجوار أربعون دارا من كل جانب، والنص لا يجوز العدول عنه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن الحديث لو صح لكان فيصلا في المسألة، ولما دام كذلك فيسقط به الاستدلال.

        (240) 2 - ما رواه الطبراني في الكبير من طريق يوسف بن السفر، عن الأوزاعي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله إني نزلت في محلة بني فلان، وإن أشدهم لي أذى أقدمهم لي جوارا، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا يأتون المسجد فيقومون على بابه، فيصيحون: ألا إن أربعين دارا جار، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه» . [ ص: 301 ] وجه الاستدلال: أن الحديث نص على أن الجيرة أربعون دارا.

        ونوقش الاستدلال بهذا الحديث: هذا الحديث كالحديث السابق لا تنهض به حجة لضعفه.

        واستدلوا للقول الثاني بما يلي:

        (240) 1 - ما رواه البخاري من طريق عمرو بن الشريد، عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجار أحق بسقبه» .

        وجه الاستدلال بهذا الحديث: أنه قد جاء لبيان حق الشفعة، وهي لا تثبت لأحد من الجيران إلا للملاصق، فدل على أنه هو المقصود بالجار.

        وأجيب عن هذا الاستدلال: بأنه قد ورد تفسير (الجار) هنا بالشريك، وبالتالي فلا يختص الجار في هذا الحديث بالملاصق.

        2 - أن انصراف الجار إلى الملاصق فقط هو مقتضى القياس، فتحمل عليه النصوص الواردة في الموضوع، فإن الجار من المجورة وهي الملاصقة حقيقة، والاتصال بين الملكين بلا حائل بينهما، فأما مع الحائل فلا يكون مجاورا حقيقة، ولهذا ثبتت الشفعة للجار الملاصق دون غيره; لأنه ليس بجار حقيقة.

        وأجيب: بأن استعمال الجار لغير الملاصق ثابت في النصوص الشرعية، وبالتالي فلا يختص معنى الجار بالملاصقة.

        [ ص: 302 ] وأما قولهم عن الشفعة تثبت للجار الملاصق دون غيره، فهذه مسألة خلافية.

        3 - أنه يترتب على الجوار حقوق يلزم أداؤها للجار، ولما كان متعذرا صرفها لكل من يطلق عليه اسم الجار لغة، فإن مسمى الجار الشرعي يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق.

        وقد أجيب عن هذا الدليل: بأنه لا يلزم من تعذر صرفه إلى الجميع تعذر صرفه إلى بعض الجيران غير الملاصقين كأهل مسجد المحلة الواحدة، فإنهم جيران للمسجد وإن لم يكونوا ملاصقين له.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية