الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الترجيح:

        يترجح لي - والله أعلم - القول الأول; ذلك أن الأجرة تلزم بمضي المدة، فهي بمنزلة ما لو قبض أجرة كل ساعة بتمامها.

        الحال الثانية: إذا كان الوقف على معين محددا بمدة.

        إذا كان الوقف على معين محددا بمدة معينة، ينتقل بعدها إلى الفقراء - مثلا - فيموت الموقوف عليه قبل تمام المدة، فهل يورث عنه حق المنفعة إلى تمام المدة المحددة؟.

        لا يخلو ذلك من أن يكون الموقوف عليه إلى أجل واحدا، أو أكثر من واحد، فإن كان الموقوف عليه واحدا معينا كزيد - مثلا - فمات قبل تمام الأجل، فهل يورث عنه حق المنفعة إلى تمام الأجل؟.

        لم أطلع على خلاف في هذه المسألة، والذي ذهب إليه المالكية والحنابلة: أن المنفعة تورث إلى تمام الأجل.

        [ ص: 330 ] قال القاضي عبد الوهاب من المالكية: «إذا أسكن إنسانا داره إلى مدة معلومة فقد ملك المسكن الانتفاع بتمليك المدة، وليس للمالك الرجوع فيه، فإن مات الرجل المحبس عليه بقيت السكنى إلى المدة لورثته; لأنه مات عن حق له يصح الإرث في نوعه، فورثه ورثته كما لو كان على معاوضة» .

        وقال ابن قدامة: «إذا اشترط أن ينتفع به - أي: الوقف - مدة معينة فمات فيها، فينبغي أن يكون ذلك لورثته، كما لو باع دارا واشترط أن يسكنها سنة ، فمات في أثنائها» .

        واشتراط الانتفاع بالوقف مدة معينة كالوقف على معين مدة معينة، بل قال البهوتي: «(فلو مات) الواقف (المشروط له) نحو السكنى (في أثناء المدة المعينة) لنحو السكنى (فلورثته) السكنى ونحوها (باقي المدة)» ، ولا فرق بين موقوف عليه وآخر، فإذا مات الموقوف عليه المعين الواحد قبل تمام الأجل المحدد، فإن المنفعة بهذا الوقف تنتقل إلى ورثته إلى تمام الأجل.

        ومقتضى مذهب الحنفية: أن منفعة الوقف إن كانت سكنى فإنها لا تورث إلى تمام الأجل; لأن السكنى منفعة مجردة، والمنفعة المجردة لا تورث عند الحنفية.

        وأما إن كان الموقوف عليه إلى أجل أكثر من واحد، كأحمد وزيد - مثلا - فمات أحدهما قبل تمام الأجل، فهل يورث نصيبه عنه فيما تبقى من المدة؟

        ذهب الحنفية، والمالكية إلى أنه لا يورث. [ ص: 331 ] قال ابن الهمام - من الحنفية - : «كل من مات من المستحقين إذا لم يبين الواقف حال حصته بعد موته يقسم على الباقين» .

        وعند المالكية: إن كان الوقف على المعينين وبعدهم على الفقراء، فنصيب من مات من المعينين ينتقل إلى الفقراء، وإما إن كان الوقف على المعينين فقط ويرجع بعدهم ملكا للواقف، فنصيب من مات منهم ينتقل لأصحابه إلى تمام الأجل، والفرق بينهما: أن الأولى لما كان الوقف مستمرا فيها احتيط لجانب الفقراء، فكان لهم بعد المعينين، وفي الثانية لما كان الوقف يرجع ملكا احتيط لجانب الموقوف عليهم; ليستمر الوقف إلى تمام الأجل المحدد.

        ومقتضى مذهب الحنابلة: أن نصيبه يورث عنه إلى تمام الأجل بناء على ما سبق من رأيهم فيما إذا كان الموقوف عليه المعين واحدا.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية