الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        قلت لمالك: أو قيل له فلو أن رجلا حبس مائة دينار موقوفة يسلفها الناس ويردونها على ذلك جعلها حبسا هل ترى فيها زكاة؟ فقال: نعم أرى فيها زكاة» .

        واحتجوا بالآتي:

        1 - عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الغلة.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن هذا العموم مسلم في غير المعين; لعدم توفر شرط وجوب الزكاة الذي هو تمام الملك في المعين.

        2 - قال مالك: «وقد تصدق عمر بن الخطاب وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصدقة تؤخذ من صدقاتهم» .

        ونوقش: بأنه لم ينقل بسند، وعلى فرض ثبوته فهو محمول على أن الوقف موقوف على معين.

        (251) 3 - ما روى أبو عبيد من طريق ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، قال: سألت سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد عن نخل جعلت رقابها صدقة، هل تخرص مع النخل؟ فقالا: «نعم» .

        ونوقش: ابن لهيعة ضعيف، وأيضا هو نقل عن تابعي فليس حجة، بل هو اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ، ثم إنه قد حمله أبو عبيد رحمه الله على أن المراد به الوقف على قوم بأعيانهم.

        4 - أن الزكاة تجب في الخارج من الأرض الذي هو الثمر أو الحب، [ ص: 437 ] وهو مملوك للموقوف عليه ملكا تاما يتصرف فيه كتصرفه في سائر ما يملك، فوجب أن تلزمه الزكاة.

        ونوقش: بعدم التسلم; لأن الملك لم يتعين لواحد من المساكين بدليل أن كل واحد منهم يجوز حرمانه والدفع إلى غيره، وإنما يثبت هذا الملك لهم بالدفع إليهم، فملكهم ملك مستأنف حصل حين القبض، فيكون كقبضه حقه من زكاة ونحوها.

        القول الثالث: أن الزكاة لا تجب في غلة الوقف مطلقا.

        وبهذا قال طاووس، ومكحول من التابعين، وغيرهما.

        واحتج لهذا بما يأتي:

        1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، وعباس بن عبد المطلب...» وفيه: «وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله...» .

        وجه الدلالة: أن خالدا رضي الله عنه لما طولب بالزكاة عن أثمان الأدرع على معنى أنها كانت للتجارة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم لا زكاة عليه فيها; إذ جعلها حبسا في سبيل الله، وكذلك الغلة.

        ونوقش: بأنه لا يتم الاستدلال به إلا على التأويل الذي ذكروه بأن خالدا طولب بزكاة الدروع على معنى أنها للتجارة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا زكاة فيها لأنها محبسة، وهذا التأويل أحد الوجوه التي قيلت في المراد [ ص: 438 ] من الحديث فلم يتعين، قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكره: وهذا يحتاج لنقل خاص، فيكون فيه حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبسة.

        (252) 2 - ما رواه أبو عبيد من طريق ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن عطاء بن كعب، عن عبد الكريم البصري: «أن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنه: إني جعلت عشرة من الإبل في سبيل الله، فهل علي فيها زكاة؟ فقال ابن عباس: (عضلة) أو معضلة يا أبا هريرة، ليست بأدنى من التي في بيت عائشة، فقل، فقال أبو هريرة: أستعين بالله، لا زكاة عليك، فقال ابن عباس: أصبت، كل ما لا يحمل على ظهره، ولا ينتفع بضرعه، ولا يصاب من نتاجه، فلا زكاة فيه، فقال عبد الله بن عمرو: أصبتما» [ابن لهيعة ضعيف].

        3 - أن الأرض ليست بمملوكة لهم، فلم تجب عليهم زكاة في الخارج منها; لأن من شروط الزكاة الملك، وهو غير موجود هنا.

        ونوقش: بالمنع; فهناك من يقول إنها في ملك الموقوف عليهم، وقيل: بل باقية على ملك الواقف، وعلي التسليم، فالموقوف عليه إذا كان معينا فهو مالك لمنفعتها، ويكفي ذلك في وجوب الزكاة بدليل الأرض المستأجرة للزرع، والله أعلم.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية