الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 323 ] المبحث الثالث والعشرون: إرث حق الانتفاع بسبب الوقف

        إذا مات الموقوف عليه منفعة عين - غلة أو سكنى - قبل أن يأخذ الغلة ، أو تنتهي مدة السكنى، فهل تورث عنه تلك المنفعة أو لا؟.

        هذا الوقف لا يخلو: إما أن يكون على جهة عامة، أو على معين يستحق بالصفة، أو على معين يستحق بالعمل.

        وفيه مطالب:

        المطلب الأول: إذا كان الوقف على جهة عامة

        إذا كان الوقف على جهة عامة كالفقراء، والمساكين، وقبيلة غير محصورة، ونحو ذلك، فمات واحد منهم قبل أن يأخذ الغلة، فإن نصيبه لا يورث عنه; لأن ذلك صلة مستحقة بالصفة على وجه العموم، غير واجبة التعميم فتسقط بالموت، كنفقة القريب.

        في الأشباه والنظائر لابن نجيم: «قد علمت أن الموصى له وإن ملك المنفعة لا يؤجر، وينبغي أن له الإعارة، وأما المستأجر فيؤجر ويعير ما لا يختلف باختلاف المستعمل، والموقوف عليه السكنى لا يؤجر ويعير، والشافعية جعلوا لذلك أصلا وهو: أن من ملك المنفعة ملك الإجارة [ ص: 324 ] والإعارة، ومن ملك الانتفاع ملك الإعارة لا الإجارة، ويجعلون المستعير والموصى له بالمنفعة مالكا للانتفاع فقط» .

        قال التسولي: «الحبس على قسمين: منه ما قصد به المحبس خصوص تمليك الانتفاع لمن قام به الوصف كالفقراء، فهذا لا يجوز لمن استحقه أن يهبه، ولا أن يؤاجره، ولا أن يعيره المدة الكثيرة، ومنه ما قصد به تمليك المنفعة، وذلك كالحبس على شخص معين، وأعقابه مثلا، فهذا تجوز فيه الهبة، والإجارة، والإعارة...» في حاشية الدسوقي: «(ولا يقسم) من كراء الوقف (إلا ماض زمنه) إذ لو قسم ذلك قبل وجوبه لأدى ذلك إلى إحرام من يولد، أو إعطاء من لا يستحق إذا مات، وهذا إذا كان الوقف على معينين، وأما لو كان على غيرهم كالفقراء جاز للناظر كراؤه بالنقد أي: التعجيل والصرف للفقراء للأمن من إحرام من يستحق، وإعطاء من لا يستحق لعدم لزوم تعميمهم، ومثل المعينين المدرسون وخدمة المسجد ونحوهم، والواحد منهم كالأجير له بحساب ما عمل، سواء كان الوقف خراجيا، أو هلاليا» .

        قال ابن عرفة: «وأما الحبس على بني زهرة، فلا يجب إلا بالقسم، من مات قبله سقط حظه». وقال السيوطي: «الملك إما للعين والمنفعة معا وهو الغالب، وإما للمنفعة فقط كمنافع العبد الموصى بمنفعته أبدا، وكالمستأجر، والموقوف على معين، وقد يملك الانتفاع دون المنفعة كالمستعير...، وكذا [ ص: 325 ] الموقوف على غير معين كالربط، والطعام المقدم للضيف، وكل من ملك المنفعة فله الإجارة، والإعارة، ومن ملك الانتفاع فليس له الإجارة قطعا ولا الإعارة في الأصح.

        وفي قواعد ابن رجب: «النوع الرابع: ملك الانتفاع المجرد، وله صور متعددة: منها: ملك المستعير، فإنه يملك الانتفاع لا المنفعة إلا على رواية ابن منصور عن أحمد أن العارية المؤقتة تلزم، كذا قال الأصحاب، ويمكن أن يقال: لزوم العارية المؤقتة إنما يدل على وجوب الوفاء ببدل الانتفاع لا على تمليك المنفعة» .

        فالموقوف على غير معين عندهم يملك الانتفاع، فلا يورث، كما لا يورث الانتفاع بالعارية.

        ***

        التالي السابق


        الخدمات العلمية