الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: قدر الإجارة.

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: إجارة الناظر للوقف بأقل من أجرة المثل:

        يجب على ناظر الوقف ألا يؤجره حتى يغلب على ظنه أنه ليس هناك من يزيد عليه، وأن يشهر ذلك عند أهل الرغبات الذين جرت العادة باستئجارهم مثل ذلك المكان.

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإذا فعل ذلك فقد آجره المثل، وهي الإجارة الشرعية» .

        فإن أجره بأكثر من أجرة مثله صحت الإجارة، بل ذكر بعض الفقهاء أن ذلك أفضل وأحسن.

        فالإجارة الشرعية هي أجرة المثل، أو أكثر منها، أو أقل منها بشيء يسير بقدر ما يتغابن الناس فيه في العادة.

        أما إذا كان الغبن فاحشا، فإن الناظر لا يخلو من حالتين:

        [ ص: 382 ] الحال الأولى: حكم إجارة الناظر للوقف بغبن فاحش إذا كان هو الموقوف عليه:

        الغبن الفاحش: قيل الذي لا يدخل تحت تقويم المقومين، وغير الفاحش: الذي يدخل تحت تقويم المقومين.

        وقيل: إن مرده إلى العرف: فما يتغابن الناس به عرفا فليس فاحشا، وما يتغابن الناس به عرفا فهو فاحش .

        اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

        القول الأول: أن الناظر يملك إجارة الوقف بأقل من أجرة المثل إذا كان هو الموقوف عليه.

        وهو مقتضى قول المالكية، وبه قال الشافعية، وهو وجه محتمل عند الحنابلة.

        جاء في مغني المحتاج: «وإذا أجر الناظر العين الموقوفة على غيره مدة بأجرة مثله فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد في الأصح; لأن العقد قد جرى بالغبطة في وقته، فأشبه ما إذا باع الولي مال الطفل، ثم ارتفعت القيم بالأسواق، أو ظهر طالب بالزيادة، والثاني: ينفسخ إذا كان للزيادة وقع والطالب ثقة لتبين وقوعه على خلاف الغبطة، أما إذا أجر العين الموقوفة عليه فإنه يصح قطعا، ولو بدون أجرة [ ص: 383 ] المثل كما لو أجر المطلق به، أو أجر الناظر الوقوف على غيره بدون أجرة المثل، فإنه لا يصح قطعا» .

        وجاء في كشاف القناع: «(وإن أجر الناظر) العين الموقوفة بـ (أنقص من أجرة المثل صح) عقد الإجارة (وضمن الناظر (النقص) عن أجرة المثل إن كان المستحق غيره، وكان أكثر مما يتغابن به في العادة كالوكيل إذا باع بدون ثمن المثل أو أجر بدون أجرة المثل، وفيه وجه بعدم الصحة.

        قال الحارثي: وهو الأصح لانتفاء الإذن فيه (ولا تنفسخ الإجارة) حيث صحت (لو طلب) الوقف (بزيادة عن الأجرة الأولى، وإن لم يكن فيها ضرر; لأنها عقد لازم من الطرفين وتقدم» .

        القول الثاني: أن الناظر لا يملك إجارة الوقف بأقل من أجرة المثل إذا كان هو الموقوف عليه، وتفسد الإجارة.

        وبهذا قال الحنفية، وهو وجه محتمل عند الحنابلة.

        جاء في البحر الرائق: «وصرح قاضيخان من كتاب الإجارة بأنه إذا أجر بأقل من أجرة المثل، فإن كان بنقصان يتغابن الناس فيه فهي صحيحة، وليس للمتولي فسخها، وإن كان بنقصان لا يتغابن الناس فيه فهي فاسدة، وله أن يؤاجرها إجارة صحيحة، إما من الأول أو من غيره بأجر المثل وبالزيادة على قدر ما يرضى به المستأجر» .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية