الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        أدلة القول الثالث: (كل من يناسبه إلى أقصى أب له في الإسلام) 1 - استدل القائلون بأن القرابة ما كان من قبل الأب وحده : بأن العرب لا تفهم من مطلق اسم القرابة إلا قرابة الأب; لأن العرب تفتخر بآبائها، بخلاف قرابة الأم، فإنهم لا يفتخرون بها، ولا يعدونها قرابة.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجوه:

        الوجه الأول: أن عرف الناس في اسم القرابة ينطلق على ما كان من الجهتين.

        الوجه الثاني: صدق اسم القرابة على ما كان من قبل الأم، وتناوله لهم، فيدخلون في عمومه.

        الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم فاخر بسعد بن أبي وقاص به رضي الله عنه، [ ص: 203 ] (207) فقد روى الترمذي من طريق مجالد، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله» .

        قال الترمذي رحمه الله: «وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي» .

        2 - واستدل القائلون بتناول القرابة لكل من يناسب الواقف إلى أقصى أب له في الإسلام: بأن الاسم يتناول كل قريب، إلا أنه لا يمكن العمل [ ص: 204 ] بعمومه; لتعذر إدخال جميع أولاد آدم عليه السلام، فتعتبر النسبة إلى أقصى أب في الإسلام; لأنه لما ورد الإسلام صارت المعرفة بالإسلام، والشرف به، فصار الجد المسلم هو النسب، فلا يعتبر من كان قبله.

        ونوقش هذا الدليل من وجهين:

        الوجه الأول: أن تناول القرابة لكل من يناسب الواقف إلى أقصى أب في الإسلام كان يستقيم في زمان صاحبيأبي حنيفة رحمهم الله; لأن أقصى أب كان قريبا، يصل إليه بثلاثة آباء أو أربعة آباء، فأما في زماننا فلا يستقيم; لأن عهد الإسلام قد بعد.

        قال الكاساني: «إن الوالد والولد لا يسميان قرابتين عرفا وحقيقة; لأن الأب أصل والولد فرعه وجزؤه، والقريب من غيره لا من نفسه» .

        الوجه الثاني: مخالفته الظاهرة للعرف، فإن الواقف لا يريد أن يشمل بوقفه قرابته الذين ينتسبون إلى أقصى أب في الإسلام، مع تعددهم وانتشارهم إلى حد يتعذر معه إدراكه لهم، ومعرفته بهم، فضلا عن الرغبة في برهم وصلتهم.

        3 - قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين وجه الدلالة: قال الكاساني: «عطف الأقربين على الوالد، والعطف يقتضي المغايرة في الأصل» . [ ص: 205 ] وإذا أخرج الأب من أن يكون قريبا للابن خرج الابن من أن يكون قريبا للأب.

        ونوقش: بأن إفراد الوالدين بالذكر لمزيد العناية بهما، والتأكيد على حقهما، لا لأنهما من غير القرابة.

        ونوقش: بما نوقش به دليل الشافعية المتقدم.

        2 - واستدل لأبي حنيفة رحمه الله: قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وقوله تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم قال السرخسي: «فلما كان مأمورا بصلة القرابة، وإنما تجب الصلة ممن كان ذا رحم منه، فانصرفت الوصية إليه دون غيره; لأن القرابة المطلقة هي قرابة ذي الرحم المحرم; لاختصاصها بأحكام مخصوصة، من عدم جواز المناكحة، والعتق عند الملك، وعدم الرجوع في الهبة ووجوب النفقة عند العشرة، فانصرفت الوصية إليه» .

        3 - قال الكاساني: «القرابة المطلقة هي قرابة ذي الرحم المحرم، ولأن معنى الاسم يتكامل بها، وأما غيرها من الرحم غير المحرم فناقص، فكان الاسم للرحم المحرم لا لغيره; لأنه لو كان حقيقة لغيره فإما أن يعتبر الاسم مشتركا أو عاما، ولا سبيل إلى الاشتراك لأن المعنى متجانس، ولا إلى العموم لأن المعنى متفاوت، فتعين أن يكون الاسم حقيقة لما قلنا، ولغيره مجازا» .

        [ ص: 206 ] ونوقش هذا الدليل من وجوه:

        الوجه الأول: «أن القريب اسم مشتق من معنى، وهو: القرب، وقد وجد القرب، فيتناول الرحم المحرم وغيره» .

        الوجه الثاني: فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين ، فإنه جمع قريشا، فعم وخص، وأنذرهم، وفيهم ذو الرحم المحرم وغيره.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية