الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        أدلة القول الثاني: (بطلان الشرط، وصحة الوقف) :

        استدل لهذا القول بما يلي:

        1 - القياس على الشروط الفاسدة في البيع، فإن الشروط تبطل ويصح البيع.

        (193) لما روى البخاري ومسلم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت: إن أحبوا أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم - ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس - ، فقالت: إني عرضت ذلك عليهم، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق» ، ففعلت عائشة رضي الله عنها، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب [ ص: 62 ] الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» .

        فأبطل الرسول صلى الله عليه وسلم الشرط ولم يبطل العقد.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجوه:

        الوجه الأول: أن هذا قياس مع الفارق فلا يحتج به، فإن عقد الوقف عقد إسقاط، وأما عقد البيع فهو عقد معاوضة، فلا تقاس عقود التبرعات على عقود المعاوضات.

        الوجه الثاني: أن في صحة البيع مع الشروط الفاسدة خلافا بين العلماء، فالذين قالوا بصحة البيع قالوا: بأن للبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن وللمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن كان هو المشترط; لأن البائع إنما سمح بالبيع بهذا الثمن لما يحصل له من الغرض بالشرط، والمشتري إنما سمح له بزيادة الثمن من أجل شرطه، وإذا لم يحصل غرضه ينبغي أن يرجع بما سمح به كما لو وجدوه معيبا، وثمن ما سمح به مجهول، فيصير ثمن العين مجهولا.

        الوجه الثالث: أن الشارع أبطل اشتراط الولاء في العتق; لأنه مخالف للشرع; لأن الولاء لحمة كلحمة النسب وعصوبة بين المعتق والمعتق، بخلاف بقية الشروط في العقود التي لم تخالف الشرع.

        2 - قياسه على العتق بشرط الرجوع، فإنه يقع العتق ويبطل الشرط.

        ونوقش: بأن الأصل المقيس عليه موضع خلاف، فإن كثيرا من العلماء [ ص: 63 ] قالوا بعدم وقوع العتق بشرط الرجوع، وحتى لو سلمنا وقوعه فإن العتق مخالف للوقف، وذلك أن العتق مبني على التغليب والسراية.

        3 - قياس اشتراط الرجوع في الوقف على اشتراط من طلق زوجته أن لا رجعة له.

        فإن المطلق إذا أسقط حقه من الرجعة، أو طلق بشرط أن لا رجعة له وقع الطلاق، ولم يسقط حقه في الرجوع.

        ونوقش: أن هذا القياس قياس مع الفارق فلا يصح; لأن اشتراط الرجوع في الوقف يعتبر إنشاء عقد لم يكن ثابتا له بخلاف اشتراط عدم الرجوع له; فإنه إسقاط حكم أثبته الشارع، فلا يسقط لمجرد إسقاطه كالميراث.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية