الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: إذا كان الوقف على معين يستحق بالصفة إذا كان الوقف على قوم معينين يستحقون الوقف بالصفة، كأولاده، أو فلان وفلان مسمين بأسمائهم، فذلك لا يخلو من حالتين:

        الحال الأولى: إذا كان الوقف غير محدد بمدة:

        إذا كان الوقف غير محدد بمدة، كقوله: وقفت هذه الدار، أو هذا الحائط على أولادي، أو على فلان وفلان، فيموت واحد منهم قبل أن يقبض ما يستحقه من الغلة، فهل يورث نصيبه عنه؟.

        [ ص: 326 ] إن كانت الغلة ثمرة فلا يخلو أن يموت قبل ظهورها أو بعده.

        فإن مات أحد منهم قبل ظهور الثمرة، فلا شيء له، ولا لورثته; لأنه صلة محضة، فيسقط بالموت باتفاق فقهاء المذاهب الأربعة.

        وإن مات بعد ظهور الثمرة، فقد اختلف الفقهاء هل تستحق الثمرة بظهورها ووجودها فيورث عنه نصيبه منها بمجرد ذلك، أو لابد من بدو الصلاح؟ اختلفوا في ذلك على أقوال:

        القول الأول: أن الوارث يملك الثمرة بعد التأبير.

        وبه قال أشهب، وبعض الشافعية.

        وحجته:

        (242) ما رواه البخاري ومسلم من طريق سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع» .

        فاعتبر النبي صلى الله عليه وسلم التأبير.

        القول الثاني: أن الموقوف عليه إن مات بعد ظهور الثمرة ووجودها، فإن نصيبه منها يورث عنه.

        ذهب إلى ذلك الحنفية، وجمهور الشافعية. [ ص: 327 ] قال الطرسوسي: «...بخلاف الوقف على الأولاد، والذرية فإنه يعتبر فيهم وقت ظهور الغلة، فمن مات بعد ظهورها، ولو لم يبد صلاحها صار ما يستحقه لورثته، وإلا سقط» .

        وقال ابن عابدين بعد أن أورد قول الطرسوسي السابق: «وتبعه في الأشباه، وأفتى به في الخيرية، وهو الذي حرره مفتي الروم أبو السعود العمادي...» .

        وقال الهيتمي: «لو وجدت - أي: الثمرة - ولو طلعا ثم مات المستحق فتنتقل لورثته لا لمن بعده...قال السبكي ...والذي اقتضاه نظري موافقة الجمهور في أن المعتبر وجود الثمرة لا تأبيرها» .

        القول الثالث: أن الموقوف عليه إن مات بعد بدو الصلاح، فإن الغلة تورث عنه، وإن مات قبل ذلك فلا تورث عنه.

        ذهب إلى ذلك بعض المالكية، ونقله ابن رجب عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .

        قال الباجي: «إن حبس على قوم معينين مسمين بأسمائهم، فمن أدرك طيب الثمرة فحقه فيها ثابت» ، وقال الزرقاني: «من مات قبل طيب الثمرة وحصاد الزرع فلا شيء له» .

        وقال ابن رجب: «أفتى الشيخ تقي الدين بأن الثمر إنما يستحقه من بدأ [ ص: 328 ] الصلاح في زمن استحقاقه حتى لو مات البطن الأول، وقد أطلع الثمر بعمله ثم بدأ صلاحه بعد موته، فإنه يكون للبطن الثاني» .

        هذا إن كانت الغلة ثمرة، فإن كانت الغلة أجرة، كما لو وقف دارا على أشخاص معينين بشرط أن تكون لهم غلتها لا سكناها، فتؤجر وتصرف الأجرة لهم، ففي هذه الحالة: لو مات أحد الموقوف عليهم قبل قبض الأجرة، فهل يورث عنه قسط ما عاشه من المدة، أو أن المعتبر في ذلك تمام القسط، فإن مات قبل تمامه لم يورث عنه، وإن مات بعده ورث عنه ما يستحقه منه؟.

        اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

        القول الأول: يورث عنه قسط ما عاشه من المدة، فلو كانت الدار تؤجر أقساطا - مثلا - فمات أحد الموقوف عليهم في نصف السنة - مثلا - ، فإنه يورث عنه نصف نصيبه من أجرة القسط.

        وهذا القول مقتضى ما ذهب إليه الشافعية، حيث قال السبكي في الوقف على نحو الأولاد، فيشترط الواقف تقسيط الغلة على المدة: «فهنا تقسط الغلة كالثمرة على المدة، فيعطى منه ورثة من مات قسط ما باشره أو عاشه، وإن لم توجد الغلة إلا بعد موته» .

        ذلك أن الأجرة في الحقيقة تتوزع على المدة، فهي بمنزلة اشتراط توزيع الغلة على المدة.

        القول الثاني: أن المعتبر في إرث ما يستحقه تمام القسط، فإن مات بعد تمام القسط ورث عنه نصيبه منه، وإن مات قبل تمامه لم يورث عنه قسط ما عاشه. [ ص: 329 ] ذهب إلى ذلك الحنفية حيث قال ابن عابدين: «لو كان الوقف يؤجر أقساطا فتمام كل قسط بمنزلة طلوع الغلة» .

        يعني: أن من مات بعد تمام القسط يورث نصيبه، كما أن من مات بعد طلوع الغلة يورث نصيبه - كما سبق - ، ومن مات قبل تمام القسط لا يورث عنه، كما أن من مات قبل طلوع الثمرة لا يورث عنه.

        ويناقش هذا الاستدلال: بأن قياس تمام القسط على طلوع الغلة قياس مع الفارق; ذلك أن الغلة قبل أن تظهر معدومة، بخلاف الأجرة قبل تمام القسط، فإنها تلزم بمضي الوقت، ولا تسقط عن المستأجر حتى لو تلفت العين المستأجرة قبل تمام مدة القسط.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية