الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        إذا لم يجعل الواقف للناظر أجرة، بل أهملها، فهل يستحق أخذها مطلقا، أو لا يستحقه إلا بإذن القاضي؟

        اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: أن الناظر لا يستحق الأجرة على نظارته إلا بإذن القاضي، ما لم يكن مشهورا بالأخذ على عمله.

        وهذا قياس المذهب عند الحنابلة.

        قال ابن مفلح: «...وإن لم يسم له شيئا فقياس المذهب إن كان مشهورا بأخذ الجاري على عمله فله مثله، وإلا فلا شيء له» . [ ص: 401 ] القول الثاني: أن الناظر لا يستحق أخذ الأجرة على نظارته إلا بإذن القاضي.

        وهذا قول عند الحنفية، وبه قال أكثر الشافعية.

        القول الثالث: أن الناظر يستحق الأخذ على نظارته مطلقا.

        وهذا القول عند الحنفية، وبه قال بعض الشافعية.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (لا يستحق الأجرة إلا بإذن القاضي، أو كان مشهورا بالأخذ:

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        أولا: استدلوا على عدم استحقاق الناظر لأخذ الأجرة إذا لم يستأذن القاضي، ولم يكن مشهورا بالأخذ على عمله بما يلي:

        أن عمل الناظر في وقف يعلم أنه لم يشترط له فيه شيء دون طلبه أجرة على عمله، دليل على أنه متبرع، فلا يستحق شيئا.

        ثانيا: أن الناظر يستحق أخذ الأجرة على النظارة ونحوها إذا كان مشهورا بالأخذ على عمله:

        أنه إذا كان مشهورا بالأخذ، فكأنه شرط الأجرة عند قبوله للنظارة لمعرفة الواقف لحاله فيستحق أخذها; لأن «المعروف كالمشروط» .

        [ ص: 402 ] دليل القول الثاني: (لا يستحق إلا بإذن القاضي) :

        استدل أصحاب هذا القول: بما استدل به أصحاب القول الأول على عدم استحقاق الناظر لأخذ الأجر إذا لم يستأذن القاضي، ولم يكن مشهورا بالأخذ على عمله.

        ولكن يرد عليهم في استحقاق الناظر للأخذ إذا كان مشهورا به: بما استدل به لأصحاب القول الأول على ذلك.

        دليل القول الثالث: (يستحق الأجرة مطلقا) :

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي: أن الناظر لا يقبل النظارة ظاهرا إلا بأجرة، والمعهود كالمشروط.

        ونوقش: بأنه اعتبر العرف، وهذا مسلم فيه، فدل على أنه لا يأخذ مطلقا.

        الترجيح:

        الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول بأن الناظر لا يستحق أخذ الأجرة على نظارته إلا بإذن القاضي ما لم يكن مشهورا بالأخذ على عمله، أو دل عليه العرف; لما استدلوا به، وللقاعدة المتفق عليها «العادة محكمة» .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية