الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 427 ] المبحث الرابع: تزويج الأمة الموقوفة

        وفيه مطلبان:

        المطلب الأول: حكم تزويج الأمة الموقوفة

        اختلف العلماء في حكم تزويج الأمة الموقوفة على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: أنه يجوز تزويج الأمة الموقوفة مطلقا.

        وهو مذهب الحنفية، وهو قول للشافعية، وصرح النووي بأنه الأصح، وهو مذهب الحنابلة.

        القول الثاني: أنه لا يجوز تزوجها.

        وهو وجه عند الشافعية.

        القول الثالث: أنه لا يجوز تزوجها بحال إلا إذا طلبته.

        وهذا وجه عند الحنابلة.

        [ ص: 428 ] الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1 - قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم وهذا يشمل الأمة الموقوفة.

        وغير ذلك من الأدلة الحاثة على التزويج.

        (248) 2 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.

        وجه الدلالة: أن الإسلام نهى عن التبتل، وفي منع الأمة الموقوفة عن الزواج تبتل نهى عنه الإسلام.

        (249) 3 - ما رواه أحمد من طريق الزهري، عن عروة قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون - أحسب اسمها خولة بنت حكيم - على عائشة وهي باذة الهيئة، فسألتها : ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت عائشة ذلك له، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال: «يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك في أسوة، فوالله إني أخشاكم لله، وأحفظكم لحدوده» . [ ص: 429 ] وجه الدلالة: أن في منع الأمة الموقوفة من الزواج نوع من الرهبانية، وقد فشا الزنى براهبات النصارى بسبب منعهن من الزواج.

        4 - أن في تزويجها تحصينا لها، ولا سبيل لتحصينها إلا عن طريقه; لأنه لا يباح للموقوف عليه الاستمتاع بها.

        5 - أن الموقوف عليه لا يتضرر بتملك غيره لمنفعة بضعها، حيث إنه لا يملك استيفاء تلك المنفعة.

        6 - القياس على إجارتها بجامع أن كلا منها عقد على منفعتها.

        7 - القياس على تزويج المستولدة حيث جاز تزويجها رغم أن فيها شبها بالموقوفة، حيث لا يجوز بيعها.

        أدلة القول الثاني: (لا يجوز تزويجها) :

        1 - أن في التزوج نقصا في حق من يأتي من البطون; لأن التزويج عقد على منفعتها في العمر، وفيه تفويت منفعتها في حق البطن الثاني، حيث إن النكاح يتعلق به حقوق من وجوب تمكين الزوج من استمتاعها، ومبيتها عنده، فتفوت خدمتها في الليل على البطن الثاني.

        ونوقش: بأن ما فات من الحق بتزويج الموقوفة إنما فات تبعا لإيفائها حقها.

        [ ص: 430 ] 2 - أن الموقوفة قد تلد إذا وطئها الزوج، وربما ماتت من الطلق فيفضي ذلك إلى هلاكها، والوقف لازم فينبغي أن تحرم الأسباب المؤدية إلى رفعه.

        ونوقش: أن هذا الاحتمال غير معتبر، ولو ساغ اعتباره لحرم على الحرائر النكاح إذا كان يؤدي إلى الهلاك; لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، ولم يقل به أحد.

        دليل القول الثالث: (لا يجوز تزويجها إلا إذا طلبته) :

        استدل أصحاب هذا القول: بأن التزويج حق لكل امرأة، فإذا طلبته الأمة الموقوفة تعينت الإجابة إليها، وما فات من الحق به فات تبعا لإيفائها حقها، فلا يصلح أن يكون مانعا قياسا على الأمة غير الموقوفة.

        ونوقش: أن استدلالهم على منع التزويج بأدلة القول الثاني مردودة بما ردت به تلك الأدلة هناك.

        أما أدلتهم على التزويج عند الطلب فإنا نسلم بها على مشروعية التزويج، لكن لا تدل على عدم التزويج عند عدم الطلب.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - القول الأول; لقوة أدلته في مقابل أدلة القولين الآخرين، ولأن في منع الموقوفة عن الزواج ضررا على الموقوفة من خوف الوقوع في الزنى، وبالتالي يكون ضررا على المجتمع، فيحتمل ضرر الموقوف عليه لأجل دفع ذلك الضرر العام. [ ص: 431 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية