الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 411 ] المسألة الثالثة: أثر موت المؤجر في إنهاء مدة الإجارة:

        وفيها أمران:

        الأمر الأول: أثر موت مؤجر الوقف إذا لم يكن من أهل الاستحقاق على عقد الإجارة:

        إذا مات ناظر الوقف بعد أن عقد الإجارة على عين الوقف التي ليس هو من أهل استحقاق ريعها وقبل انتهاء مدة الإجارة، فلا تأثير لموته على عقد الإجارة، ولا ينفسخ عقدها بموته.

        وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

        جاء في أوقاف الخصاف الحنفي: «أرأيت إن آجر الوقف سنين معلومة، ومات قبل أن تنقضي هذه الإجارة؟ قال: لا تبطل الإجارة من قبل أنه لم يؤاجرها بملك، إنما آجرها للوقف» .

        وقال ابن نجيم: «الناظر إذا أجر ثم مات، فإن الإجارة لا تنفسخ» .

        وقال العدوي المالكي: «إن الناظر غير المستحق إذا أجر الدار الموقوفة أو الأرض الموقوفة مدة، ثم مات فلا تنفسخ الإجارة» .

        [ ص: 412 ] وقال عليش: «إن أجر غير مستحق كواقف وناظر مدة ومات قبل تقضيها، فلا يفسخ وهو كذلك» .

        وقال الشربيني: «ولا تنفسخ الإجارة ولو ذمه بموت العاقدين أو أحدهما... ولا تنفسخ - أيضا - بموت متولي الوقف من حاكم أو منصوبه أو من شرط له النظر على جميع البطون» .

        وقال ابن النجار: «وإن آجر الناظر العام لعدم الخاص، أو الخاص - وهو أجنبي - لم تنفسخ بموته ولا عزله قولا واحدا» .

        وقال البهوتي: «وإن كان المؤجر للوقف الناظر العام - وهو الحاكم - أو من شرط له الواقف النظر - وكان أجنبيا أو من أهل الوقف. لم تنفسخ الإجارة بموته ولا بعزله في أثناء المدة أو قبلها». والدليل على هذا:

        استدلوا على عدم انفساخ عقد الإجارة بموت الناظر المؤجر إذا كان أجنبيا بأدلة منها:

        1 - أن الناظر إنما أجر وتصرف بطريق الولاية، ومن يلي النظر بعده إنما يملك التصرف فيما لم يتصرف فيه الأول.

        2 - قياس ولي الوقف على ولي المحجور; لأن نظره عام على الجميع، ولا يختص تصرفه ببعض الموقوف عليهم، ولم يختص نظره بوصف استحقاق ولا زمنه. [ ص: 413 ] على أن هناك قوة لبعض الشافعية بأن العقد يتأثر في هذه الحالة، ولكن لا عبرة بهذا القول; لبعده وضعفه.

        الأمر الثاني: أثر موت مؤجر الوقف على عقد الإجارة إذا كان من أهل استحقاق الريع:

        إذا كان عاقد إجارة الوقف هو مستحق الريع، فمات في أثناء مدة الإجارة، ففي تأثير موته على العقد خلاف بين العلماء على النحو الآتي:

        القول الأول: أن عقد الإجارة لا ينفسخ بموت مؤجر الوقف إذا كان من أهل استحقاق الريع، إلا إذا كان قد أجره بأصل الاستحقاق، - بأن استحق النظر الموقوف عليه لكونه موقوفا عليه - ومثله إذا شرط الواقف لكل فرد من كل بطن النظر في حصته مدة حياته ثم مات في أثناء مدة الإجارة.

        وبه قال كثير من الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة.

        القول الثاني: أن عقد إجارة الوقف إذا أبرمه مستحق الريع انفسخ بموته مطلقا.

        وهذا قول بعض الحنفية، وهو قول المالكية، ومقتضى إطلاق بعض الشافعية، وبعض الحنابلة.

        [ ص: 414 ] القول الثالث: أن عقد إجارة الوقف لا ينفسخ بموت المؤجر، ولو كان مستحقا مطلقا.

        وهذا هو قول الحنفية، وهو قول ضعيف لبعض المالكية، وهو مقتضى إطلاق بعض الشافعية، وبعض الحنابلة.

        علما أن الحنفية لا يجيزون للمستحق إجارة الوقف إلا إذا كان ناظرا.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية